منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة
منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة
منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة
منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة
منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة

لاحدود للمعرفه لاحدود للثقافه لاحدود للصداقه هذا هو شعارنا؟؟؟؟
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
 هام الجميع الاعضاء والزواردعوة ذهاب وتسجيل  ؟؟؟ منتديات 25 يناير 2011 يدعوكم الانضمامكم معنا ... هو عباره عن منتدى اراء ومشاورات بما يخص احداث الثوره والتغيرات التى تحدث فى مصر والمشاكل التى تحدث فيها ومتطلبات الشباب .....؟http://january252011.yoo7.com

 

 سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نسيم البحر
عضو فعال
عضو فعال
نسيم البحر


الجنسية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Femal
الهواية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Unknow11
المهنة : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Counse10
الدوله : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  B7rene
عدد المساهمات : 71
نقاط : 109
السٌّمعَة : 100
تاريخ التسجيل : 03/02/2010

سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Empty
مُساهمةموضوع: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1    سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:26 pm

سلسلة رائعة تضاف تباعا
كتبه/دكتور ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد،

فإن من أنفع ما يعين العبد على حضور قلبه في الصلاة أن يتدبر ويتأمل أدعية الاستفتاح التي وردت عن النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-، وخصوصا إذا كان العبد في قيامه بالليل، فقرأ وتدبر ما ورد من أدعية استفتاح قيام الليل، فاحفظ وتدبر - أخي الحبيب- هذا الدعاء الجامع العظيم الذي ثبت عن النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- إذ يقول: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(1)، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
فلقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا سراجا، ينير القلوب بعد ظلماتها ويوقظها بعد رقدتها وغفلتها فتبصر حقائق الوجود وتحيا من موت الكفر والنفاق وتشفى من أدواء الشبهات والشهوات. فاللهم لك الحمد على إرساله وإنزال الكتاب عليه، ولك الحمد على هدايتنا للإسلام وتوفيقنا له كما نقول وخيرا مما نقول، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وقد خصه الله عز وجل وفضله على من سبقه من النبيين بخصال عديدة، منها أنه أوتي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- جوامع الكلم، فكانت كلماته ودعواته على اختصارها وإيجازها جامعة لمعاني الإيمان، مجددة لحقائقه في القلوب، مذكرة بالله واليوم الآخر، باقية لتكون معجزة مستمرة دالة على صدقه ونبوته - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-، جمع الله له فيها من معاني الإيمان وحقائق التوحيد وأسباب حياة القلب ما يستغني به القلب عن غيره من أدعية يدعو بها سائر الناس.
ولا شك أن من تدبر الأدعية الثابتة عنه - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- وجد نفسه أمام شمس مبهرة لا ينقطع نورها، ووجد حياة لقلبه تحركه على طريق النور الذي سار عليه النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- وصحبه الكرام - رضوان الله عليهم- وتبعهم على ذلك السلف الصالح - رحمة الله عليهم-، ولما كانت حاجتنا إلى تذكر معالم هذا الطريق ضرورية، خصوصا في أيام المحن التي تمر بها أمتنا، وكان تحقيق التغير من داخلنا من الأعماق وليس فقط في الظاهر مطلبا أساسيا لكل العاملين في الحقل الإسلامي حتى يغير الله ما بنا،فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلما كانت هذه الحاجة ضرورية، كانت هذه الوقفات مع ما في هذا الحديث الصحيح من معاني الإيمان والتوحيد وتزكية النفوس واستنارة القلوب وإحيائها بحقيقة ذكر الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا على شرح هذا الحديث وتدبر ما فيه،فإن تدبر هذا الحديث وغيره مما يشرح الله به الصدور، ويفتح للقلوب عيونا تبصر بها هذا الجمال والجلال، وتطعم وتسقى من معينه الميسر حتى تحيا من جديد حياة من نوع آخر، وتستنير بنوره - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- الذي جعله الله له (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً)(الأحزاب:45-46)، فنحن نأخذ من النور الذي جعله الله للنبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-، جعله الله سراجا منيرا فالقلوب لها طعام وشراب من هذا المعين الذي فضله الله - عز وجل- به، ورغم تباعد السنين يصل نور هذا السراج إلى من اجتباه الله من عباده قويا ظاهرا مبهرا.
فيقول المرء: فكيف بمن اقترب منه - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- زمانا ومكانا وعلما وعملا وسلوكا؟ فكيف بمن رآه وصحبه كيف نصيبهم من هذا النور؟ لاشك أن الصحابة كانوا أعظم الناس نصيبا من نوره - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- ولذلك اهتدت بهم الأمم، فالصحابة لم يؤلفوا كتبا ولم يسجلوا أشرطة ولم يكن أكثرهم خطباء فصحاء يجتمع المئات والآلاف عليهم، ومع ذلك فكانوا أساتذة العالم وغيروا الأمم تغييرا جذريا، فالواحد منهم كان يفتح الله به البلاد و تتغير به موازين القوى في المعارك، ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقولون: هل فيكم من صاحب رسول الله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم) متفق عليه،فالله عز وجل فتح بهم البلاد وقلوب العباد وفتح بهم القلوب والأمصار، وذلك لأن نصيبهم من النور الذي جاء به النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- كان أعظم.
فنسأل الله عز وجل أن يجعل في قلوبنا نورا وفي ألسنتنا نورا، وأن يجعل لنا في أسماعنا نورا وفي أبصارنا نورا، وأن يجعل من خلفنا نورا ومن أمامنا نورا، ومن فوقنا نورا ومن تحتنا نورا، اللهم أعطنا نورا، ومن لم يجعل له نورا فما له من نور.
نكمل في الحلقة القامة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1)وإن كان يجب على الواحد منا أن يقول وأنا من المسلمين، هذا هو الصحيح، ولكن الوارد عن رسول الله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- أنه كان يقول (وأنا أول المسلمين).موقع صوت السلف


تابعونا
كتبه دكتور ياسر برهامى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

فقد ثبت أن النبي -سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- كان إذا قام إلى الصلاة في الليل كبر، ثم قال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك).
وجهت وجهي أي وجهتي وقصدي وإرادتي، والوجه يطلق ويراد به الوجهة كما يقال سرت في هذا الوجه، أي سرت في هذه الوجهة، ومنه الوجه البحري والوجه القبلي. ويحتمل في الحديث أن يكون الوجه بمعنى الوجه المعروف، وتوجهه لازم للوجهة والقصد، ولكن المعنى الأول أظهر.
و قضية توجيه الوجهة والقصد لله -عزوجل- يحتاج الإنسان أن يتذكرها كل يوم، لذا يتذكرها عند تلاوته هذا الذكر في قيام الليل، فالإنسان تشغله مشاغل الحياة كل يوم عن وجهته وقصده فتأخذه بعيداً عنها، وتلقيه في غمرة التنافس على متع الحياة وأموالها ومناصبها وفي صراعاتها ونزاعاتها، فتنسيه قضية وجهته.
وهذه الجملة في الحديث - "وجهت وجهي" - موافقة لقول إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم- والذي جاء في الآية (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام79)،وهي قد وقعت بعد مجادلته قومه في عبادتهم للكواكب، وقوله عن الكوكب الأول (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)الأنعام76، وعن القمر قال بعده (فلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(الأنعام77)، ثم لما رأى الشمس بازغة (قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام78-79 يتبين لنا بعد هذا الترتيب أن توجيه الوجهة لله سبحانه وإفراده بالحب -حب العبادة- أمر لا يستغني عنه العبد طرفة عين. وقد قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-(لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) لأنه لا يستطيع أن يستغني عن إلهه طرفة عين، لا يستطيع أن يستغني عن حبه وتوجهه لحظة وحدة، فمن يغيب لا يُحَب، وأما حبه لله عز وجل فهو في كل لحظة.
وتأمل هاتين الجملتين (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)، و (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) لتعلم أنه يحتاج إلى الأمرين معا، يحتاج إلى هداية ويحتاج إلى حب مستمر دائم، إذا فقد واحداً منهما لا يستطيع أن يحيى حياة مستقرة مستمرة، لا يحيى قلبه إلا بحب دائم لا يغيب، وبهداية من الله سبحانه وتعالى.
فيوجه العبد وجهته لله عزوجل الذي فطر السماوات والأرض طالبا منه أن يهديه وأن يوفقه لحبه على الدوام، هداية لاتغيب وحبا لا ينقطع، فهو يحتاج إلى هداية ربه في كل لحظة وخطرة ونفس. فإن القلب ترد عليه خواطر في كل لحظة بالليل والنهار، فما يميز بين الحق والباطل منها إلا بهداية وتوفيق من الله، ولايميز إلا بإخلاص يتوجه به إلى الله عز وجل، ولو لم يهده الله لوردت عليه خواطر وإرادات ورغبات تهلكه، وهو لا يستطيع أن يميز بينها وبين ما ينفعه إلا بتوفيقٍ من الله (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )(هود88) فيستشعر الإنسان أنه يحتاج إلى الله في كل لحظة، يحتاجه هادياً ومعبوداً محبوباً يخلص له عمله فلا غنى له أبداً عن إلهه وموالاه.
فإذا قال العبد "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" استشعر حبه -سبحانه وتعالى- وتذكر فضله بهدايته له، فوجًّه وجهة قلبه إليه، فهو لا يحب غيره لأنه يأفل، ولا يطلب الهداية من غيره لأنه يعجز عن أن يهديه، وعند ذلك يشعر العبد بعظيم قدر هذا الدعاء.
فأنت أيها العبد وجهت وجهك لله لأن الله هداك ووفقك وأعانك وأخذ بناصيتك إليه حتى أحببته وعرفته فاطراً للسماوات والأرض، وهذا إقرار بتوحيد الربوبية، فهذه الجملة الأولى جمعت توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية في قوله (وجهت وجهي) هذا هو توحيد الألوهية، وقوله (للذي فطر السماوات والأرض) هذا توحيد الربوبية.
نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ، ونكمل في حلقة قادمة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين
موقع صوت السلف


سلسلة رائعة جدا تضاف تباعا 3- الحنيفية والبراء من المشركينكتبه/دكتور ياسر برهامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
ثبت أن النبي -سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- كان إذا قام إلى الصلاة في الليل كبر، ثم قال: (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتيونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أولالمسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمتنفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرفسيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك،لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك،تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك).
إن المتأمل لخلق السماوات والأرض يجد بلا تردد آثار العلم التام والقدرة التامة والحكمة التامة والعزة والقهر والقوة والمجد والعظمة والجمال والجلال ظاهرةً تمام الظهور، من الذرة إلى المجرة، ويرى توازنا عجيبا وإحكاما وإتقانا تاما ويرى ملكا باهرا، ويوقن أنه لا يمكن أن يكون الكون بهذا الإحكام من وجود الذرة الصغيرة في خلق الإنسان إلى الكائنات الأكبر في السماوات والأرض إلا بقدرة تامة وحكمة في كل شيء.
ويرى الإنسان من آثار عزة الله عز وجل فهو عزيز قاهر غالب على أمره، يريد الناس شيئاً ويريد الله عز وجل شيئًا فيكون ما يريد الله، وهو قاهر فوق كل من دونه سبحانه وتعالى، قهرهم بالموت وقهرهم بالمرض وقهرهم بالحاجة والفقر وهم أصلاً كانوا عدما، خلقوا قهرا ويموتون قهرا. وكل من يتدبر خلق السماوات والأرض يجد آثار صفات الله، فهو القهار، له العزة والقهر والقوة (ولَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) ولو يتدبر الإنسان قدر القوة الموضوعة وكم منها بأيدي الناس يجد عجبا. فالبشر يغترون عندما يشعرون أن عندهم قوة وهي في الحقيقة قوة تافهة جدا وصغيرة جدا. إن أقوى الدول وأعتاها - فضلاً عمن دون ذلك وعن آحاد البشر- لهم سلطان محدود ولهم قدرة وقوة محدودة فكيف يغترون بها؟ لكن المؤمن ينظر دائماً إلى القوة التي أودعها الله في الكون والتي تدل على قوته عز وجل و(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعا).
تأمل قوة البحار، كم هي؟ وكيف يمكن تغرق العالم؟ وتأمل ما في قوة الريح، و تأمل ما في قوة الشمس من طاقة هائلة يمكن أن تدمر الكرة الأرضية وما حولها لو أنها وجهت إليها، وتأمل القوة الموجودة في الشهب والنيازك، وتأمل أضعاف ذلك من القوة المودعة في الكون، ثم تأمل كم من هذه القوة بأيدي الناس؟ ماذا يملك البشر منها؟ فالبشر لا يملكون شيئاً من القوة المخلوقة إلا ذرة يسيرة يغترون بها، فيقول الجاهلون:من أشد منا قوة؟ ويقولون: القوة العظمى - والعياذ بالله - وما هي بعظمى بل حقيرة ضعيفة عاجزة، والإنسان إنما يراها عظمى نتيجة إخلاده إلى الأرض، ولو أن نفسه ارتفعت وشاهدت حقائق الكون سيجزم ويوقن أن القوة ليست للناس و(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً).
وتأمل الآيات التي فيها قول إبراهيم (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) كان أولها (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(الأنعام:75)، فالملكوت موجود، ولكن العبرة أن يراه الإنسان ويشهده ليشهد ملك الله عز وجل في السماوات وفي الأرض، وهذه نعمة من الله (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).
وكثرة التفكر في خلق السماوات والأرض هي من صفات أهل الإيمان، قال الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(آل عمران:190-191)، فإذا شهد العبد ذلك وجَّه وَجْهَهُ - ولابد- للذي فطر السماوات والأرض ممتثلاً أمره متبعاً شرعه راجياً ثوابه خائفاً من عقابه، ويفعل ذلك حنيفا - أي مائلاً إلى الله معرضاً عن غيره- وهذا الميل إلى الله هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال - تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(الروم:30)، وقال النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah فيما يرويه عن ربه عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء)(رواه مسلم) هذه الحنيفية وهذا الميل إلى الله وحبه والرجوع إليه وامتثال شرعه والخضوع لأمره هي ملة إبراهيم التي بعث بها رسول الله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-، وهي الفطرة التي هي الدليل الثاني على توحيد الألوهية، فتوحيد الربوبية هو الدليل الأول الذي يدل عليه التفكر في خلق السماوات والأرض وهو الأكثر استعمالاً.
والدليل الثاني على توحيد الألوهية هو دليل الفطرة، وهو أن العباد يجدون في أنفسهم ميلاً وحباً لإلههم الحق ومعبودهم الذي لا شريك له، ولا تطمئن قلوبهم ولا تسكن نفوسهم إلا إذا توجهت إليه وأحبته وعظمته وخضعت له.
فحينما يولد الإنسان تولد له رغبات معينة، فيجد في نفسه الحاجة إلى الهواء فيتنفس، و يجد نفسه محتاجا إلى الأكل فيأكل ويمص ثدي أمه قبل أن يفهم، قد جعل الله فيه هذه الحاجات لكي تستمر حياته، فلو أن إنسانا لم يشعر بحاجته إلى التنفس سيموت. فمن أسباب الموت بالمخدرات - كالهيروين- أنه يشل مراكز التنفس في المخ، فيجعل مركز التنفس لا يشعر أنه محتاج إلى الهواء، فيموت الإنسان نتيجة لهذه الجرعة الزائدة التي تشلّ مركز التنفس، وتقول له أنت بحالة جيدة، ولا تحتاج إلى هواء، فلا يتنفس فيموت والعياذ بالله. ومن ضمن أسباب موت الأطفال في السن الصغير جداً، أن الطفل لا يريد أن يرضع، فيتوقف عن الرضاعة لأنه لا يشعر أنه جوعان، فيعجز الأطباء عن عمل أي شيء له إلى أن يموت. وحال القلب كذلك أيضاً، فكما أن البدن خُلِق محتاجا إلى النفس والطعام والشراب، خلق القلب مائلا إلى الله عز وجل، يحتاج إلى أن يتعبد، يحتاج إلى أن يحب، وأن يخضع إلى الله عز وجل، فهذه هي الفطرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)(الروم:30)، إن لم يشعر بهذا الأمر سيموت القلب ويضل ويهلك.
ويجد العبد في هذا التوجه والميل حقيقة غايته في هذه الحياة والحكمة من وجوده ومصيره الذي يصير إليه، وهو أنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، يجد العبد الإجابة على الأسئلة الفطرية الضرورية من أنا؟ ومن أين جئت؟ ولماذا جئت؟ وماذا يراد مني؟ من أوجدني؟ ومن جاء بي؟ ومن خلقني؟ وإلى أين أذهب؟ أسئلة موجودة في نفس كل إنسان، لا يستطيع الإجابة عليها إلا إذا توجه إلى الله - عز وجل-. والعبد إذا جرب لذة التوحيد والعبادة والحب وجد شيئاً لا نظير له في حياته كلها ووجد نعيماً لا يدانيه نعيم أخر ويجد راحة لا تماثلها راحة أخرى. ويتأكد هذا المعنى عنده - بوجوب توحيد العبادة- إذا كان قد جرب قبل ذلك الجاهلية والتوجه لغير الله، وجرب مدى ضرره وشقاءه وعذابه به فيشعر بالفرق الهائل حينئذ.
وأيضا، إذا كان من البدء على هداية ولم يكن على سبيل الجاهلية فيتدبر حال غيره، فيتأكد هذا المعنى عنده حين يرى حال غيره من البشر من حوله كيف يشقون بآلهتهم الباطلة ويعانون معاناة لا نظير لها، يعانون من تعلقهم بأصنام وأوثان وشمس وقمر ونجوم، ورياسة وملك، ودرهم ودينار وكبراء ورؤساء، ومطاعين وضعوا لهم نظريات فاسدة وأديانٍ باطلة تشقى بها أجيال تلو أجيال في دنياهم قبل أخراهم، فيوقن الإنسان حينئذ ويزداد يقيناً بأنه لا إله إلا الله، فيكون حنيفا ويتبرأ من المشركين ومن طريقتهم وملتهم، ويبغض صفاتهم وأعمالهم ويبغضهم ويفارقهم، حتى لو كان محتاجاً في دنياه لموافقتهم، فـَلـَذَّة عبوديته لربه تسليه عن فقد بعض مصالح دنياه مؤقتاً بسبب هذه البراءة، لأنه حينما يتبرأ من المشركين سيعادونه ولن يعطوه المصالح التي يعطونها لأوليائهم، نعم، سيتعب تعبا قليلاً مؤقتاً، ثم بعد ذلك أثناء تعبه هذا وأثناء مفارقته وأثناء براءته من الشرك وأثناء عدم الحاجات التي يريدها في دنياه سيتسلى بعبادة الله -عز وجل-، وستُنَسيْه لذة عبوديته ألم فقد هذه المصالح، وسيجمع الله له شمل دنياه وأخراه، وسيجد هذه المصالح التي ضاعت منه قد جاءته من غير أن يبذل أي مجهود، لأنه من أصبح والآخرة همته جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.
وقضية البراءة من المشركين في قوله: (وما أنا من المشركين) قضيةٌ عظيمةٌ الأهمية في عقيدة المؤمن وفي سلوكه ومعاملاته، ولأن المصالح متشابكة والأحوال متداخلة وقد اقتضت حكمة الله ألا توجد في الدنيا المثالية المنشودة، بل ما يزال الخير مختلطاً بالشر عند أكثر الناس، ولهذا كانت هذه المسألة بحاجة إلى تكرار يومي حتى تستقر في نفس المؤمن ولا ينحرف إلى ما يخالفها، ففي كل يوم لك مصالح عند أعداء الإسلام، وكثير من الناس ينسى قضية الولاء والبراءة من المشركين في المصالح، الأمر الذي يجعلهم يدورون في فلكهم تحت ضغط مصلحة موهومة أو لدفع مفسدة محتملة دون مفسدة موالاة المشركين والتي هي في الحقيقة أشد ضررا وأعظم مفسدة، والذل الذي يحصل بسبب طاعتهم أضعاف ما يفر منه الإنسان من الأذى أو من المضرة، لكن أكثر الناس موازينهم مختلة فلا يُحسن أكثر الناس استعمال الميزان الذي أنزله الله مع الكتاب (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)(الشورى:17)ز هذا الميزان إنما توزن به الأفكار والعقائد والتصرفات والأخلاق والسلوكيات، ولا يهتدي أكثر الناس أصلاً إلى هذا الميزان فيزن المصالح والمفاسد بموازين العقل القاصر أو الهوى الغاوي أو التقليد الجاهل، فيقول لك إنما نحن مصلحون (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)(البقرة:12).
تجد أن أكثر العالم يظنون أنفسهم يصلحون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، لذا أصيبت الأمة بما أصيبت به من أنواع الضرر والهزيمة والذل والهوان وتسلط الأعداء من جراء تضييع الإيمان ومنه قضية البراءة من المشركين، بل إن هذه القضية لها خصوصية في هذا الباب، وهي أن الركون إلى الذين ظلموا بموافقتهم في باطلهم وافتراء الكذب على الله وعلى دينه وعلى رسوله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah - بما وافق أهواءهم يفقد العبد ولاية الله ونصرته. فقضية موالاة المشركين مرتبطة ارتباطا أساسيا بقضية الهزيمة التي تحل في الأمة، والتي سببها أساساً موالاة الكفار والعياذ بالله لأنه كما قال الله عز وجل (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)(هود:113)،
والمتأمل في تاريخ الإسلام وما حدث من مصائب كبرى في تاريخ المسلمين - ابتداء من سقوط بغداد على يد التتار، ومرورا بضياع الأندلس، وأخيرا احتلال بيت المقدس والأرض المباركة حوله من اليهود، هذا غير احتلال بلاد كثيرة من البلاد الإسلامية - يجد أن الهزيمة دائماً كانت بسبب من يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يخون أمته وينصر عدوها، وإلا فأمة الإسلام قادرة قدرة عجيبة بفضل الله تعالى على الصمود في وجه أعتى الأعداء وأقواهم، ولها قوة عظيمة في الثبات أمام أقوى الأسلحة وأكثر الجيوش عددا وعدة، حتى تحصل الخيانة وتسقط فئة في هوة الموالاة لأعداء الله وترك البراءة منهم، فتحصل الهزيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه القضية وكل قضايا التوحيد التي تضمنها هذا الدعاء العظيم تحتاج إلى تكرار حتى تستقر وتثبت بل تنمو وتكبر وتثمر ثمارها في حياة المؤمن فهي الشجر الطيبة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(إبراهيم:24-25).
حاصل الكلام في هذه الجملة الأولى في هذا الاستفتاح العظيم (وَجَّهْتُ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين) أن المتأمل يلحظ أن كل جزء من هذا الدعاء يقود إلى الذي يليه أو هو دليل عليه، فتوحيد الربوبية في قوله (للذي فطر السماوات والأرض) دليل على توحيد الألوهية في (وجهت وجهي)، والتفكر في خلق السماوات والأرض في قوله (فطر السماوات والأرض) يبين للعبد آثار الأسماء الحسنى والصفات العلى من الجلال والجمال والمجد والعظمة، فلا يجد العبد بداً من الميل الفطري إلى الله، حباًً وانقيادا وتعظيما وبُعدا عمن سواه حنيفـًا، وهذا البعد عمن سواه من المعبودات الباطلة يستلزم بغضا وبعدا وبراءة منها ومن عابديها، فيقول (وما أنا من المشركين).
فسبحان من أحاط بكل شيء علما وتمت كلماته صدقا وعدلا، وله الحمد على ما شرع لعباده وهداهم لحقائق الإيمان المتلازمة المترابطة التي تفتح كل حقيقة منها لصاحبها أبواب الحقائق الأخرى، كمن دخل قصراً ووجد كنزاً فإذا دخل غرفة من غرف القصر وجد فيها مفاتيح غرف أخرى، وكلما طالع جواهر الكنز وجد معها ومنها مفاتيح كنوز أخرى.
فاللهم أنر قلوبنا بحبك وزدنا علماً ويقيناً وإيماناً.والحمد لله رب العالمين.
تابع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نسيم البحر
عضو فعال
عضو فعال
نسيم البحر


الجنسية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Femal
الهواية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Unknow11
المهنة : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Counse10
الدوله : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  B7rene
عدد المساهمات : 71
نقاط : 109
السٌّمعَة : 100
تاريخ التسجيل : 03/02/2010

سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1    سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:28 pm

امتثال وعبودية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، أما بعد،

فيقول النبي صلى الله عليه و سلم في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك).
توقفنا عند الجملة الأولى وهي قوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا و ما أنا من المشركين)، وذكرنا أنها تتضمن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتذكير العبد بميله إلى الله و حبه له، والبراء من الشرك وأهله.
وأما الجملة الثانية من الدعاء فهي قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (إن صلاتي و نُسكي و محياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ و أنا أول المسلمين)، فهى امتثال قول الله عز وجل (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)(الأنعام162) والمقصود أن يقولهاالنبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah وغيره من المكلفين تبعا له، فامتثلها النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah فقال (إن صلاتي ونسكي)، قالها صادقا سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، ويجب على كل مكلف أن يقولها صادقـاكذلك.
أما قوله (وأنا أول المسلمين) أي من هذه الأمة، فالأظهر والله أعلم أن الداعي منا يقول "وأنا من المسلمين"، كما ذُكر في رواية مسلم(وأنا من المسلمين)، وذلك أنه لا يصلح أن يكون هو أول المسلمين من هذه الأمة، لأن أول المسلمين من هذه الأمة هو محمد سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، كما لا يصح أن يقول أنا أول المسلمين في زمني، فإنه قد سبقه مسلمون لم يزالوا مسلمين منذ بُعث النبي صلى الله عليه و سلم إلى ما شاء الله من الزمان، فالأفضل أن يقول "وأنا من المسلمين"، وبعض العلماء يقول: ينبغي أن يقول "وأنا أول المسلمين" وهذا ليس بظاهر و الله أعلم.
هذه الكلمات المباركات تذكر العبد بغايته في الحياة، الإنسان كما ذكرنا يحتاج إلى تذكير دائم بقضايا أساسية في كل يوم وليلة، وهي قضايا الإيمان والتوحيد، فالغاية من الحياة والمقصد منها والغاية التي خلق من أجلها هي تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، فهو يؤكد أن صلاته و نسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، تحقيقا للعبودية بمعناها الشامل لكل تصرفاته ولذلك قال (ومحياي ومماتي) ليست الصلاة والذبح المختصة بالعبودية فقط وإنما الحياة والموت أيضا.
وبدأ بالصلاة لأنها أعظم العبادات البدنية، كما في الحديث الصحيح قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، لأنها تتضمن عبادة القلب واللسان و الجوارح، فعبادة القلب فيها، وهي الأصل، ولابد فيها من حضور النية والإخلاص وإلا فالصلاة تبطل بلا نية، وكذلك لابد فيها من الخشوع، وقد قال الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون2)، و كل ما في الصلاة من أذكار تتضمن عبادات القلب ، ثم يحرك لسانه بذلك ثم جوارحه من قيام وركوع وسجود، فالصلاة كلها عبودية لله عز وجل.
ولذلك فإن الصلاة تجمع أنواع العبودية، ولذا كانت خير الأعمال، وهي قرة العين للمحبين المتابعين لسيدهم خير الخلق محمد سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allahالذي قال (وجُعلت قرة عيني في الصلاة)، فالله جعل له في الصلاة أسعد لحظاته وقرار عينه حيث لا تتطلع إلى شيء آخر.
وكان صلى الله عيه وسلم يقول لـبلال (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)، والله عز وجل أمر عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)(البقرة45)، فالصلاة مفزع يفزع ويهرب الإنسان إليه متوجها إلى الله عز وجل، وكلما حزب الإنسان أمر فزع إلى الصلاة، كفعل النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فإن راحة الإنسان من الهموم والغموم في الصلاة الخاشعة، وإذا رزق الخشوع فيها والحضور فهي فعلا قرة العين، ولذلك بدأ بها فقال (إن صلاتي ونسكي).
وذكر النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah النسك، وله في هذا الموضع معنيان في تفسيرين:
المعنى الأول: الذبح، كما قاله مجاهد وسعيد بن جبير والضحَّاك.
أو المعنى الثاني وهو: التعبد بجميع أنواع العبادة، فيكون النسك بمعنى العبادة، ومنه متنسك أي متعبد، وهو من عطف العام على الخاص.
فكل العبادات بما فيها الذبح لله عز وجل وحده لا شريك له لا يجوز صرف شيء منها لغيره، كما قال تعالى في شأن الذبح أيضا وجمع بين الصلاة والذبح (فصل لربك وانحر)(الكوثر2)، أي اجعل صلاتك لله وحده ولا تسجد لغيره وكذلك اجعل نحرك وذبحك لله وحده لا شريك له ولا تذبح لصنم أو وثن أو غيره من دون الله، كما قال النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (لعن الله من ذبح لغير الله).
ثم ذكر المحيى والممات في قوله (ومحياي ومماتي)، إقرارا بأن تكون حياته لله وأن يكون موته لله، فالمؤمن يحيى حياته كلها لله بأن يزن أمورها بتعاليم الإسلام، يعيش بالإسلام ويعيش من أجله، ويزن كل أمر من الأمور بميزان الإسلام ويعمل كل الأموربشرع الله ويدعو إليه ويسعى إلى أن يعبـِّد الخلق كلهم لربهم، كأفراد ومجتمعات ودول وشعوب، يسعى إلى تحقيق عبودية الفرد وعبودية الأمة وهو يموت على ذلك و يموت أيضا من أجله.
وهنا تأكيد مرة ثانية على توحيد الألوهية والربوبية(إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) هذه أفعال العبد، وهذه معاني الربوبية، فيثبت توحيد الربوبية مرة ثانية، وينفي الشرك بقوله (لا شريك له)، لا شريك له في ربوبيته ولا شريك له في ألوهيته ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، والعبد يشهد ذلك ويعلمه ويطبقه في أقواله وأفعاله، فيحقق نوعي التوحيد العلمي والعملي، الإقرار والشهود، والقصد والطلب.
فتوحيد الإقرار والمعرفة والشهود في قوله (الذي فطر السماوات و الأرض)، وفي قوله (لله رب العالمين) فينزه الله عن الشريك، في الحقيقة وفي شهود العبد، يعني الله ليس له شريك في الحقيقة وإن ادعى أحد لله عز وجل شريكا فهو كاذب لان هذا ليس موافقا للحقيقة، والحقيقة أن الله واحدًا لا شريك له في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته، أما تحقق ذلك في شهود العبد فهو أن يشهد أن هذا الأمر هو الحق دون ما سواه، كما أنه في الحقيقة فهو يشهد هذه الحقيقة وفي استحقاق العبادة لله وحده لا شريك له، فالله يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وهو واحد من هؤلاء العباد الله، فلا يشرك بالله أي شريك في إرادته و قصده.
وقوله (وبذلك أُمرت) يستحضر به أن الله أمره بالتوحيد، وأنه امتثل أمره سبحانه وأطاعه وقبله بخلاف من رده وأباه، ومشكلة كفر إبليس كان في رد أمر الله وقد أمره، والمؤمن يضاد ما فعل إبليس، فإن الله عز وجل قال له (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)الأعراف12 فرد الأمر على الله،أما المؤمن يستحضر أن الله أمره فامتثل،افقال "وبذلك أمرت"، فحقق بالامتثال الخضوع والذل، وسبق أنه في قوله (حنيفا وما أنا من المشركين) حقق كمال الحب، فاكتمل ركني العبادة وهما كمال الحب وكمال الذل، فتضمن هذا الدعاء حقيقة العبودية.
ثم قوله (وأنا من المسلمين) فهو يدخل في زمرة المسلمين، كما في قوله (وما أنا من المشركين) براءة من الشرك، ففي قوله (وأنا من المسلمين) ولاء إلى أهل الإسلام، فهو يستحضر أنه جزء من هذه الأمة، يدخل في الأمة الواحدة، (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)الأنبياء92، أمة أولها الأنبياء وأولهم محمد سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah أرفعهم منزلة وقدرا، أفضل الخلق عند الله، وهو أول المسلمين سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah من هذه الأمة، فهنا إعلان الاستسلام لله والانتماء للأمة المكرمة المشرَّفة، التي اصطفاها الله على الأمم بهذا الدين، واختص أتباع محمد سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah بأن سمَّاهم المسلمين من قبل خلقهم وإيجادهم، وهذا من أشرف ما شرف الله به أمة الإسلام أنه جعل اسم الإسلام والمسلمين علم على هذه الأمة، مع أن من قبلهم كانوا مسلمين فعلا ودينهم الإسلام، ولكن الإسلام لم يصر علما عليهم، وإنما صارت لهم أسماء أخرى أعلاما على دينهم وملتهم، مع أنها الإسلام في حقيقة الأمر، ولكن اختص الله أمة نبيه محمد بأن جعل اسم الإسلام علما لهم، وسمَّاهم به قبل خلقهم وإيجادهم، وسمَّاهم المسلمين في القرآن العظيم (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )الحج78.
فقبل أن تُوجد سُميت مسلما، قبل أن تُخلق سميت مسلما، فالحمد لله أن جعلنا مسلمين، نسأله سبحانه أن يتوفانا مسلمين وأن يلحقنا بالصالحين.


5- اللهم أنت الملك
كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
واستكمالا لما بدأناه من شرح دعاء الاستفتاح، نذكر قول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)، وهذه الجملة تتضمن أموراً عظيمة الأهمية والقدر، وبيان ذلك أن الصراع بين الحق والباطن مستمر والمؤمنون يمثلون في هذا الزمان حلقة من حلقات هذا الصراع، والقضية الأساسية في هذا الصراع هي قضية توحيد الله عز وجل، والخصومة في التوحيد مع أهل الشرك والكفر هي أنهم يريدون أن يُعبد غير الله، ونحن نريد أن يُعبد الله وحده لا شريك له.
وقد قضى الله بعلمه وحكمته أن تكون قوة المؤمنين المادية غالباً -وربما دائماً- ضعيفة خصوصاً في ابتداء كل حلقة من حلقات الصراع، وأن يكون الملك والسلطان الظاهر في الأرض فيما يبدو للناس لأعداء الله سبحانه، وذلك ليستعين المؤمنون بالله وليتوكلوا عليه لا على أنفسهم وليتعبدوا له بأنواع العبودية المتعددة والتي من أهمها شهود ملكه -عز وجل- في السموات والأرض.
فالمؤمن يشهد كل لحظة أن الملك لله، يستحضر هذا كل ليلة من الليالي حينما يقول (اللهم أنت الملك)، كما في الدعاء الآخر في استفتاح قيام الليل أيضاً (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيـَّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) رواه مسلم، إن شهود ملك الله عز وجل هو من أعظم أنواع العبودية الذي اختص به أهل الإيمان، لأن الكفرة يظنون أن الملك لهم، وأما المؤمن فإنه رغم وجود الملك والسلطان الظاهر للكفار فإنه يستحضر أن الملك الكامل لله عز وجل، ويشهد ملك الله للسموات والأرض وما فيهن، والمؤمنون جند الله، جند الملك الذي لا يُغلب والذي لا يمانع ولا يُغالب، والتوسل إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، اسم "الملك" من أعظم ما يستنزل به النصر وتثبت به الأقدام والقلوب، ويتذكر به المؤمن حقيقة الميزان في هذا الصراع، ولا تغره زينة الدنيا.
وقد روي في الأثر عظيم النفع - برغم كونه من الإسرائيليات- فيما أورده ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أن الله - عز وجل- قال لموسى - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (انطلق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، إن معك يدي وبصري، وإني قد ألبستك جُنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري، وعثَّرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشه جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرَّقَته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي، فبلِّغْه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وذَكّْره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يردعنـَّك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه، وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العٍقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني. ولا تعجبنكما زينته، ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة، وما ذاك لهوانهم عليًّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفوراً لم تَكْلُمْه -لم تجرحه- الدنيا، واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرَّض لي نفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أَكِلُ -لا أترك- نصرتهم لغيري).
فالله يؤيده بنصره، وقد ألبسه جُنَّة أي وقاية من العدو من عند الله -عز وجل-، والله يعصم من اعتصم به وليس فقط موسى - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-. والكفرة في أيديهم من القوة والسلطان ما يستطيعوا أن يدمروا به قوة المسلمين ومع ذلك فقد كف أيديهم عنهم، جعلهم يتركونهم في أنواع من العبودية لله عز وجل رغم ما يريدون من الكيد للإسلام، فهذه من آيات الله، وفي قصة موسى - عليه السلام- أمر من أجلى الأمور وأوضحها، وهو أن فرعون مهما يملك من القوة المادية الظاهرة يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)(غافر: 26).
ففي كل مرة فرعون ممنوع من قتل موسى، وإلا ما الذي يقيده حتى يقول (ذَرُونِي) سوى شعوره بأنه لا يقدر، وفي كل مرة يغرونه بموسى يبحث عن غيره (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)(الأعراف: 127)، فالمؤمن كذلك عنده جُنَّة من سلطان الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، فهناك من يريدون أن يصلوا بأيديهم إلى المسلمين والله يكف أيديهم، فالله يصرف المؤمنين عن الدنيا لعلمه بأن القلوب تتعلق بها إذا وقعت فيها، ولذا كان من دعاء النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) رواه مسلم، الذي يكفيه دون أن يحتاج إلى الناس ودون أن يزداد عن حاجته فيتعلق قلبه عن الدنيا، وكل نصيب يستمتع به المؤمن في الدنيا ينقص من نصيبه في الآخرة.
كل هذه المعاني يشعر بها المؤمن في قلبه عند قوله (اللهم أنت الملك)، يشهد بهذه المعاني وغيرها كثير فيحيي بها قلبه، ويثني على ربه هذا الثناء العظيم الذي يتكرر في الفاتحة، في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(الفاتحة: 4)، وهو ملك كل الأيام ولكن ذكر يوم الدين لأن الملك الكامل لله وحده ظاهر يومئذ للخلق جميعا، المؤمن والكافر، دون منازعة ولا حتى في الاسم، يوم الدين يوم يظهر فيه للكل، للمؤمن والكافر، أن الملك لله.
وإن للمؤمن حاجة، بل ضرورة إلى تمرير هذا المعنى على قلبه، بل وترسيخه وثبوته حتى يستحضر أن ما يفعله الأعداء أنما هو بأمر مليكه المقتدر ليختبره في ذلك، فلو شاء الله لتغيرت هذه الموازين كلها في لحظة ولكنه يختبرنا، أنفرده بالألوهية والعبودية والحب والخضوع والطاعة لا إله إلا هو، أم نغفل ونظن أن الكفرة والظلمة يملكون فنتابعهم على الباطل؟
فاللهم إنا نعوذ بك من ذلك، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، والحمد لله رب العالمين


[center]6- اللهم أنت ربي وأنا عبدك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-، أما بعد،
يقول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفركوأتوب إليك).
تكلمنا في المقالات السابقة عن الجملة الأولى (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)،والثانية (إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين).
ونستكمل اليوم كلامنا عن الجملة الثالثة (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) حيث يشهد العبد فيها ملك الله عز وجل وألوهيته، ثم أتبعها النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- بقوله (أنت ربي وأنا عبدك) ففيها شهود الألوهية بعد شهود الملك والربوبية، فجمع أنواع التوحيد، ثم تجد هذه الأنواع تتكرر في أجزاء الدعاء، واحدة تلو الأخرى، فيعود ليشهد كل نوع بطريقة أخرى، وتكرار هذه الحقائق الإيمانية لكي تستقر قضية التوحيد في النفس، فمعاني الإيمان تتضح أكثر وأكثر مع كل كلمة من كلمات الأدعية النبوية.
ونجد الثناء على الله تعالى باسم (الرب) مضافا إلى ضمير المتكلم المفرد، حيث لم يقل أنت ربنا بل قال أنت ربي، فهذا له مذاق خاص وجميل في استشعار الإصلاح الخاص، فمعنى الرب: المصلح شأن غيره، كما في الحديث (قال هل لك عنده من نعمة تربُها ؟)(رواه مسلم) يعني: تقوم عليها وتصلحها، فإذا قال العبد (اللهم أنت ربي) يستشعر فيها أن الله عز وجل هو الذي يدبر أمره، والله رب العالم كله، ولكن هناك ربوبية خاصة لعبده المؤمن، يصلحه إصلاحا غير الذي أصلح به شأن الآخرين، أصلح للآخرين شأن دنياهم وشأن حياتهم وأصلح للمؤمن كل أمره - دينه ودنياه-، فهو يتوسل إلى الله عز وجل بأنه عبده الذي يحتاج إليه، فهو يفتقر إلى الله عز وجل و يتوسل إليه بأعظم عمل صالح يعمله عبد، وهو العبودية له سبحانه.
هذا التوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، والتوسل إليه بالملك والألوهية والربوبية، كأن العبد يقول "أنا فقير إليك بكلي، وأتوسل إليك بكل ذرَّاتي، فتول أمري وإصلاحي".
وفي قول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت) ما يوضح ذلك، فإن وقوف القلب ذليلا منكسرًا بين يدي ربه من أعظم أسباب أن يُجبر وأن يعطى ما يزيل نقصه وكسرته، وأعظم أسباب محبته لربه، لأن الذل والحب قرينان في العبودية فإذا انكسر الإنسان لله أحبه، وإذا أحبه ذل لربه وخضع له، وهذا الذل يحدث للعبد من عدة جهات كلها مطلوبة:
أولا: ذل الفقر والحاجة، فالله هو الرب الغني الحميد، والعبد مربوب فقير بمقتضى كونه مخلوقا، أي أن العبد فقير ليس بيده من وجوده شيء، فقير في نبض قلبه وجريان الدم في عروقه، فقير في سمعه وفي بصره وفي مخه وفي كل جزء من أجزائه وفي كل شأن من شؤونه، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)(فاطر:15)، هذه الحقيقة يشترك فيها المؤمن والكافر، ولكن يشهدها المؤمن فحسب، فيحصل له بذلك ذل الفقر والحاجة إلى الله سبحانه إذا شهد ذلك، فهذا النوع الأول من أنواع الذل إذا شهده العبد فإنه ينكسر لله عز وجل.
ثانيا: ذل العبادة، تذلل العبد فعليا بالعبادة، كونه يمارس العبادة، كونه يركع و يسجد ويقف، فهذا ذل يحدث به للإنسان الانكسار، كذلك الهيئات التي تكون للإنسان في الصلاة يحصل بها أنواع عظيمة من الحب لله عز وجل، هيئته نفسها تقربه إلى الله كما قال النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)(رواه مسلم)، والركوع لله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)(الحج:77)، هذا افتقار إلى الألوهية، لأن الإنسان محتاج إلى أن يتعبد وينكسر لله، وإن لم ينكسر ويذل لله ذل لغيره لأنه فُطر على كونه عبدا، فأكثر الخلق يعبدون غير الله، فلماذا يذلون لغير الله من منصب وجاه وكبير ورئيس؟ يحصل هذا لأن العباد فطروا على أن يكونوا عبيدا محتاجين إلى التأله وتعلق القلب بإله، فنسأل الله تعالى ألا يذلنا لغيره.
فالأول ذل الفقر والحاجة، ذل إلى الربوبية، والثاني ذل العبادة الذي يتحقق للعبد بقوله (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهو يتوجه إلى الله بأعماله وبقوله (أنت ربي وأنا عبدك)، فإن العبادة و هيئات القيام والركوع والسجود - بخاصة- تجلب للعبد ذلا وانكسارا لا يحصل للعبد بغيرها، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبودية أحد بدون الصلاة، فالذين يقولون: "الصلاة وسيلة لا غاية"، أناس كفرة والعياذ بالله.
ثالثا: ذل الابتلاء والمحنة التي لا يملك العبد لها دفعا إلا بالله، ولا يجد قوة لدفع الضرر عن نفسه وأهله ولا تحويله إلا أن يكشفه الله ويحوله، وذلك يحصل للإنسان أثناء المحن وأثناء الألم وأثناء المرض والتعب، ويتعجب الإنسان فعلا إذا أصابه ابتلاء فيظل منكسرا ذليلا فيُفتح له أبواب من الخير فيحمد الله عز وجل على أن قدّر هذا المرض أو هذا الألم أو الابتلاء، لأنه من خلاله وصل إلى نوع من الذل والانكسار. أما الرخاء الدائم يجعل الإنسان مترفا، ويشعره أنه ليس محتاجا والعياذ بالله، وهو محتاج تمام الاحتياج، كما قال عز وجل (وأترفناهم في الحياة الدنيا)(المؤمنون:33).
وهذا الأمر من فوائد الاعتكاف حين تبعد عن الأهل فيحصل نوع من الألم يورث انكسارا، كما ورد عن قوم يونس - عليه السلام- أنهم ندموا عندما فارقهم يونس، فجأروا إلى الله عز وجل بالدعاء وفرقوا بين الوالدة وولدها، لأن الشعور بالألم والحاجة والمحنة والشعور بالغربة، تورث الإنسان فقرا وذلا لله عز وجل ليس له نظير، فقد نقول في بعض الأحيان أن من نعم الله العظيمة ما يقع للمسلمين من آلام ومحن، لأنها تفتح أبواب تضرع عظيم جدا وشعور بالانكسار وشعور بالذل والحاجة والافتقار إلى الله، وليس لهذه الأبواب بديل وليس لها نظير، فيستشعر الإنسان آلام المسلمين ومحنهم ويتضرع لله عز وجل أن يفرج ذلك الأمر، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(الأنعام:43).
ابحث عن نوع الألم الذي في حياتك واستحضره واستحضر أنه لا يكشفه إلا الله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)(الإسراء:56)، ولا يوجد بشر إلا وعنده ضر وعنده ألم، ولكن كثيرا من الناس يتعاطى مُسكرا فينسى ذلك وهو عنده آلام مستكنة لكنه يحاول أن يغطيها، أما المؤمن لا يحاول تغطيتها بل يحاول أن يدفعها بالله عز وجل، ويستحضرها لينكسر لله سبحانه وتعالى.
رابعا: ذل الحب المتضمن في معنى الإله، فهو المحبوب لذاته، الذي يذل له العبد، فالحب أصلا يجلب الذل، تلقى الحبيب يمشي وراء محبوبه ذليلا له، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنه، فالحب نوع آخر من الذل، مع أنه في الدنيا لو أحب الإنسان أحدًا فمن الممكن أن يستغني عنه، فهذا الحب لله عز وجل يجلب نوعا خاصا من الحب لأنه لا يُحب لذاته إلا الله فالحب يؤدي إلى الذل، والذل يؤدي إلى الحب ويزيد كل منهما في الآخر فيظل العبد في ارتفاع وسمو.
يبقى ذل آخر: وهو ذل الذنب وانكساره وشعور العبد بظلمه لنفسه، ثم إقراره واعترافه بقلبه ولسانه أنه قد أذنب وشعوره بأنه لا ينجيه ولا يخلصه من ذنبه ولا يغفره له إلا الله، فيتوسل إليه بهذا الذل، فيقول: "ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فيحصل له بذلك نوع خاص من العبودية، لا يشبهه شيء آخر، ومن أجل هذا الذل قدر الله الذنوب على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين بل على أنبيائه المرسلين، وإن كانت ذنوبهم تختلف عن ذنوبنا، إلا أن النوع البشري قدر الله عليه هذه الذنوب لتتحقق أنواع من العبودية لا يوجد لها نظير، يرتفعون بها فوق منزلة الملائكة في نهاية الأمر، رغم أن الملائكة لا يعصون الله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(البينة:7)، لذلك وقع ما سُمي ذنوبا في حق الأنبياء، والرسول - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- هو الذي يقول (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهذا ذل الذنب وانكساره.
ثم نتذكر أن هذه الكلمة (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) كان بها نجاة الأبوين وتوبة الله عليهما (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(الأعراف:23)، فالإنسان إذا ظلم واعترف بذنبه كأنه لم يظلم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فشعور الإنسان أنه ظلم واعترف بذنبه يرفعه مقامات عالية، كما ذكرنا لا يصل إليها بغير هذا النوع من العبودية وهذه الكلمة "إني كنت من الظالمين" مع كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هما كلمة النجاة من كل غم لكل مؤمن، كدعوة يونس - عليه السلام- (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(الأنبياء87-88).
ففوائد عظيمة جدا تتحقق بأن يقول العبد (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعـا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فهذا الاستفتاح يفتح الطريق إلى القلب للدخول إلى الصلاة، لأن الإنسان قد يدخل قلبه في الصلاة بعد دخوله فيها بمدة طويلة جدا، وقد لا يدخل قلبه في الصلاة أصلا، ولكن أدعية الاستفتاح إذا استحضرها العبد أعانه الله بها إعانة عظيمة جدا، خصوصا هذه الأدعية المعجزة، وأقسم بالله العظيم أنها معجزة ظاهرة جدًا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قلب بشر تكتمل فيه هذه المعاني بهذا الوضوح لمن تأملها، ولا يمكن أن تكون في كلام بشر آخر وإنما أوتي جوامع الكَلِم - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-. والحمد لله رب العالمين

- اللهم أنت الملك
كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
واستكمالا لما بدأناه من شرح دعاء الاستفتاح، نذكر قول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)، وهذه الجملة تتضمن أموراً عظيمة الأهمية والقدر، وبيان ذلك أن الصراع بين الحق والباطن مستمر والمؤمنون يمثلون في هذا الزمان حلقة من حلقات هذا الصراع، والقضية الأساسية في هذا الصراع هي قضية توحيد الله عز وجل، والخصومة في التوحيد مع أهل الشرك والكفر هي أنهم يريدون أن يُعبد غير الله، ونحن نريد أن يُعبد الله وحده لا شريك له.
وقد قضى الله بعلمه وحكمته أن تكون قوة المؤمنين المادية غالباً -وربما دائماً- ضعيفة خصوصاً في ابتداء كل حلقة من حلقات الصراع، وأن يكون الملك والسلطان الظاهر في الأرض فيما يبدو للناس لأعداء الله سبحانه، وذلك ليستعين المؤمنون بالله وليتوكلوا عليه لا على أنفسهم وليتعبدوا له بأنواع العبودية المتعددة والتي من أهمها شهود ملكه -عز وجل- في السموات والأرض.
فالمؤمن يشهد كل لحظة أن الملك لله، يستحضر هذا كل ليلة من الليالي حينما يقول (اللهم أنت الملك)، كما في الدعاء الآخر في استفتاح قيام الليل أيضاً (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيـَّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) رواه مسلم، إن شهود ملك الله عز وجل هو من أعظم أنواع العبودية الذي اختص به أهل الإيمان، لأن الكفرة يظنون أن الملك لهم، وأما المؤمن فإنه رغم وجود الملك والسلطان الظاهر للكفار فإنه يستحضر أن الملك الكامل لله عز وجل، ويشهد ملك الله للسموات والأرض وما فيهن، والمؤمنون جند الله، جند الملك الذي لا يُغلب والذي لا يمانع ولا يُغالب، والتوسل إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، اسم "الملك" من أعظم ما يستنزل به النصر وتثبت به الأقدام والقلوب، ويتذكر به المؤمن حقيقة الميزان في هذا الصراع، ولا تغره زينة الدنيا.
وقد روي في الأثر عظيم النفع - برغم كونه من الإسرائيليات- فيما أورده ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أن الله - عز وجل- قال لموسى - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (انطلق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، إن معك يدي وبصري، وإني قد ألبستك جُنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري، وعثَّرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشه جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرَّقَته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي، فبلِّغْه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وذَكّْره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يردعنـَّك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه، وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العٍقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني. ولا تعجبنكما زينته، ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة، وما ذاك لهوانهم عليًّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفوراً لم تَكْلُمْه -لم تجرحه- الدنيا، واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرَّض لي نفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أَكِلُ -لا أترك- نصرتهم لغيري).
فالله يؤيده بنصره، وقد ألبسه جُنَّة أي وقاية من العدو من عند الله -عز وجل-، والله يعصم من اعتصم به وليس فقط موسى - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-. والكفرة في أيديهم من القوة والسلطان ما يستطيعوا أن يدمروا به قوة المسلمين ومع ذلك فقد كف أيديهم عنهم، جعلهم يتركونهم في أنواع من العبودية لله عز وجل رغم ما يريدون من الكيد للإسلام، فهذه من آيات الله، وفي قصة موسى - عليه السلام- أمر من أجلى الأمور وأوضحها، وهو أن فرعون مهما يملك من القوة المادية الظاهرة يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)(غافر: 26).
ففي كل مرة فرعون ممنوع من قتل موسى، وإلا ما الذي يقيده حتى يقول (ذَرُونِي) سوى شعوره بأنه لا يقدر، وفي كل مرة يغرونه بموسى يبحث عن غيره (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)(الأعراف: 127)، فالمؤمن كذلك عنده جُنَّة من سلطان الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، فهناك من يريدون أن يصلوا بأيديهم إلى المسلمين والله يكف أيديهم، فالله يصرف المؤمنين عن الدنيا لعلمه بأن القلوب تتعلق بها إذا وقعت فيها، ولذا كان من دعاء النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) رواه مسلم، الذي يكفيه دون أن يحتاج إلى الناس ودون أن يزداد عن حاجته فيتعلق قلبه عن الدنيا، وكل نصيب يستمتع به المؤمن في الدنيا ينقص من نصيبه في الآخرة.
كل هذه المعاني يشعر بها المؤمن في قلبه عند قوله (اللهم أنت الملك)، يشهد بهذه المعاني وغيرها كثير فيحيي بها قلبه، ويثني على ربه هذا الثناء العظيم الذي يتكرر في الفاتحة، في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(الفاتحة: 4)، وهو ملك كل الأيام ولكن ذكر يوم الدين لأن الملك الكامل لله وحده ظاهر يومئذ للخلق جميعا، المؤمن والكافر، دون منازعة ولا حتى في الاسم، يوم الدين يوم يظهر فيه للكل، للمؤمن والكافر، أن الملك لله.
وإن للمؤمن حاجة، بل ضرورة إلى تمرير هذا المعنى على قلبه، بل وترسيخه وثبوته حتى يستحضر أن ما يفعله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نسيم البحر
عضو فعال
عضو فعال
نسيم البحر


الجنسية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Femal
الهواية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Unknow11
المهنة : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Counse10
الدوله : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  B7rene
عدد المساهمات : 71
نقاط : 109
السٌّمعَة : 100
تاريخ التسجيل : 03/02/2010

سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1    سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:37 pm

10-أنس الطائعين ووحشة الغاوين..تتمة

كتبه دكتورياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، أما بعد،
قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

في قوله عليه الصلاة والسلام (لبيك وسعديك) قلنا أن هذه التلبية فيها إجابة لأمر الله عز وجل، فيستشعر العبد أن الله عز وجل قد ناداه وأراده وأخلصه له، فهو يجيب ربه إجابة بعد إجابة وهو مقيم على طاعته مستمر في عبادته والخضوع له، وشرعنا في ذكر الأبيات الجميلة للإمام ابن القيم، قال:

فما كل عين بالحبيب قريرة
ولا كل من نودي يجيب المناديا
ومن لم يجب داعي هداك فخلـِّه
يجب كل من أضحى إلى الغي داعيا
وقل للعيون الرُمَّدِ إياكِ أن ترِي
سنا الشمسِ فاستغشِ ظلام اللياليا
وسامح نفوسا لم يهبها لحبهم
ودعها وما اختارت ولا تك جافيا
وقل للذي قد غاب يكفي عقوبة
مغيبك عن ذا الشأن لوكنت واعيا
ووالله لوأضحى نصيبك وافرا
رحمت عدوا حاسدا لك قاليا
ثم يقول ابن القيم:

ألم تر آثار القطيعة قد بدت
على حاله فارحمه إن كنت راثيا
ألا ترى آثار المعاصي والذنوب والكفر والنفاق، والانقطاع عن الله وعن أمره وعن العمل بشرعه،ألا تراها ظاهرة على وجوه الكفرة والظلمة والفسقة وعلى أحوالهم كلها، ألا ترى كيف يقضون أوقاتهم في النكد والعذاب، لا يجدون راحة إلا بغياب عقولهم بالسكر بالخمر والمخدرات، والسكربالشهوات حتى ينسوا ما هم فيه من البلاء. إن هذه القطيعة التي بينهم وبين الله عز وجل يظهر لها أثر يراه كل مؤمن في وجوههم،فإن للمعصية ظلمة في الوجه وضيقا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق،فالمؤمن يرى آثار الظلمة كما أنه يرى آثار النور كما قال الله عز وجل(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) فالطاعات لها آثار في الوجوه والأحوال.
لذلك تجد عامة شعوب الأرض لا تستغني عن الخمر،ووقع في روسيا منذفترة أن الحكومة لم تجدما يكفى المرتبات للموظفين، فعرضت أن يأخذوا بقيمتهاعبوات من المناديل الورقية،فتظاهر الناس رافضين، فأعطتهم بقيمتها الفودكا وهى الخمر الروسية، وهذه هي التي أسكتت الناس لأنها لازمة لهم في الحانات وعلى موائدهم، والعياذ بالله.وفي المشارق والمغارب تجد المخدرات منتشرة في البيئات المليئة بالمنكر والفساد، فلو كانت حياة الفرد عندهم سعيدةفلماذا يريد أن يغيب عقله؟، لماذا يريد ألا يشعر بما هو فيه؟، لا رد، إلا أنه يريد الهروب من واقعه إلى الخيال بالخمر والمخدرات، أو أن يشاهد التلفزيون والأفلام وأوهامها الخيالية، والعياذ بالله، كل هذا من آثار القطيعة، ولوأنه أتصل بأمر الله لكان بينه وبين الله عز وجل صلة كصلاة وزكاة وصوم،ولما شعر بهذا الألم، فهؤلاء جديرون بالشفقة والرثاء.
ثم يقول ابن القيم:

خفافيش أعشاها النهار بضوئه
ولائمها قطع من الليل بادية
هؤلاء الظلمة وأهل البدع والضلال مثل الخفافيش التي يعميها ضوء النهار، فالخفاش عندما يظهر النور لا يتحمل ولابد أن يعيش في الظلام،فهم أعماهم ضوء النهار أي نور الوحي المنزل، إذا ظهر تألموا، فعندما وجدواالبشر قد ساروا على طريق العبوديةتألموا ومكروا ليبعدوا الناس عن دين الله عز وجل، هؤلاء -والله- منهم العلمانيون المنافقون الذين يكادون يموتون كمدا حين يرون ظهور الإسلام وعودة الناس إليه، ومنهم اليهود والنصارى والمشركون وأذنابهم من أعداء الدين،فلا يلائمهم ولا يناسبهم إلا فترات الظلام فترات غياب ظهور الشريعة عن الأرض، وهيهات لهم فلا يزال الله يظهر الحق ويعلي الدين(أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ)الأنبياء44.
ثم يقول ابن القيم:
فجالت وصالت فيه حتى إذا

النهار بدا استخفت وأعطت تواليا


هؤلاء المجرمون يجولون ويصولون ويمرحون بباطلهم في فترات انتصار الباطل المؤقت، والذي قدّره الله وليس من صنعهم هم،هم يعتقدون أنهم انتصروا لكن الحقيقة أن ربنا قدّر فترات الظلمة فكما أن هناك ليل ونهار، فهناك فترات ينتصر الباطل وينتشر ويأتي النهار بعد ذلك،وقدّر الله وجود الظلام وفترة انتصار الباطل امتحانا لعباده المؤمنين ليعبدوه في فترة الإحراق قبل أن تأتي مدة الإشراق، فكما أن الليل والنهار من خلق الله فالاستضعاف والتمكين ومداولة الأيام بين الناس هي من أفعاله سبحانه،وإنما يصول أهل الكفر والظلم في الظلام ويظنون أنهم هم الذين صنعوا الظلام ومنعوا ظهور الإسلام وليس ذلك – والله- في قدرتهم (يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوكَرِهَ الْكَافِرُونَ )التوبة32 ، (هُوالَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)التوبة33، فسوف يطلع النهار وسوف يشرق النور، نور الدين الحق ولوكره الكافرون، وعند ذلك ستختفي الخفافيش وتتوارى.وإنما قدّر الله ذلك ليعلم من يجيبه في فترة الإظلام ويسير إليه سبحانه رغم الظلمة، وإلا فعند ظهور نور الشمس يستيقظ كل الناس، ولكن من الذي سبق؟، الذي سار بالدجى والتزم بطاعة الله في فترة الظلمة (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل)
ثم يقول ابن القيم:

فيا محنة الحسناء تهدى إلى امرئ
ضرير عنين من الوجد خاليا
إذا ظلمة الليل انجلت بضيائها
يعود لعينيه ظلاما كما هي
انظر إلى أحوال الكافر والمبتدع قد غرقفي شهوات نفسه البهيمية والإبليسية، شهوات بهيمية كالأكل والشرب والنكاح وشهوات إبليسية كشهوة الكبر والعجب والعلوفي الأرض والرياسة والملك والجاه وإذلال الناس،انظر إليه حين يشبههابن القيم رحمه الله إذا ألقيتَ عليه مسألة محبة الله عز وجل ومسألة الإجابة إلى أمر الله والقرب منه، فتجدهلا يفقه كثيرا مما تقول،كأهل مدين قوم سيدنا شعيب إذ يقول لهم (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) فيردوا عليه(يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ)هود91.
فمسألة محبة الله عز وجل عندما تطرح على شخص مبتدع ضال أوشخص كافر أوغارق في الشهوات كحسناء وضيئة زفت إلى رجل أعمى وِعنـِّين، والعياذ بالله،فهو أعمى لا يرى حسنها وِعنـِّين لا قدرة له على أن يصل إلى جماعها ووطئها، فالحسناء ستكون محنتها صعبة جدا، فقد يمكن تجاوز ذلكلأن معشره يهون ما به، ولكنه فوق ذلك بلا حب وخالٍ من الود والوجد، وهو أمر غاية في السوء، وهو مـَثلدقيق للإنسان الذي لم يحب الله قط في عمره، ولا يفهم ولا يرى ولا قدرة له على أن يتعبد لله، لا يعيش إلا في الشهوات، لا يعيش إلا في الضلال، يشتم ويسب ويلعن، يشرب المخدرات، يظلم الناس ويسرق يعتدي، هذه هي حياته والعياذ بالله، وما أسوأ معاملته للحسناء لا يمكن أن يعاشرها ولا أن يرى جمالها، حتى وإن كان جمالها لـَيـُذهب ظلمة الليل فتنيره.
مسألة حب الله ككتاب الله لأنها منه (لا يمسه إلا المطهرون)والكتاب دل عليها، وهذا القرآن لا يمسه إلا المطهرون على أحد الوجوه في التفسير، أوهوإشارة إلى أن القرآن لا يفهم معناه ولا يمس قلبه إلا من كان متطهرا قلبه، فمن الذي يجد لذة القرآن كما قال عثمان رضي الله عنه:"لوطهرت قلوبكم لما شبعت من كلام الله فهذه المسألة لا يفهمها ولا يفهم معناها ولا يذوق لها حلاوة ولا يرى قبسها ونورها إلا من كان مطهرا.
فلوكلمت واحدا من هؤلاء عن العبودية والحب وعن لبيك وسعديك أعاد الضياء في عينيه ظلاما، وبقيت عينيه مظلمة كما هي من قبل عرض هذه المسألة عليه، فإذا كان الأمر كذلك فلا تعرضها عليه ولا تحاول معه طالما وجدت إعراضا فضن بها إن كنت تعرف قدرها، إلا أن ترى كفؤاً آتاك مواتيا، فابخل بهذا العلم عن غير أهله،ولا تضيع وقتك إن كنت تعرف قدره.
وليس معنى ذلك عدم عرضه على الخلق ابتداءا، بل لابد من البيان لكن إذا وجدت الإعراض والغفلة والعمى فابتعد عنهم حتى تجد من يصلح لهذا الشأن وعلمه هذا العلم وبينه له، فهوالذي يقبله، وهوكالكفء للحسناء آتاك موافقا على بذل مهر المحبة، وهوالتضحية والبذل للنفس والمال فما مهرها شيء سوى الروح.
فيا أيها الجبان تأخر، لست كفؤاً مساويا، إذا أردت أن تكون محبا محبوبا فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فنفسك وروحك - إذا إن كنت قبلت البيع- ليست ملكا لك، فسلمها لمالكها يفعل بها ما يشاء، وهوقد وعدك أنه يحفظها عليك ويردها عليك أوفر مما كانت، أما من لا يريد البذل ولا التضحية ولا يريد أن يصاب في سبيل الله فهوالجبان عن البذل فليتأخر فليس أهلا للمحبة ولا صالحا لهذا البيع (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)البقرة214
ثم يقول ابن القيم:

فكن أبدا حيث استقلت ركائب
المحبة في ظهر العزائم سارية
كن أيها المؤمن حيث أمرك الله شرعا أن تكون، وافعل ما يحبه الله وما يقتضيه حبه من اتباع رسوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، فهذا الحب يحملك حملا إلى المنازل العالية في أسرع وقت وفي أهنأ سفر وأكثره راحة بلا عناء ولا تعب، وسر دائما بالعزيمة والإرادة الجازمة لوجه الله، فالإرادة الصادقة التي لا تنثني منك له سبحانه تسير على ظهرها إلى بلاد الأفراح.والحمد لله رب العالمين


صوت السلف


1- الخير كله في يديك والشر ليس إليك
كتبه دكتور ياسر برهامي

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، أما بعد،
قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah :(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

في قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (الخير كله في يديك والشر ليس إليك) بعد (لبيك وسعديك) يستشعر المؤمن معاني عظيمة وهي أن إجابة العبد لربه وكونه في طاعته وخدمته تقرب العبد من ربه، وهو سبحانه وتعالى يتقرب إلى العبد أضعاف ما يتقرب العبد إليه، كما في الحديث القدسي (ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) فيحصل من هذا القرب المتزايد أن يحضر القلب بين يدي ربه، ففي (الخير كله في يدك) تناسب وارتباط رائع وعظيم وواضح مع (لبيك وسعديك)، عندما أجاب المرء اقترب؛ فتقرب الله إليه أكثر فقربه إليه أكثر، وهكذا حتى يحضر القلب بين يدي ربه، ويخرج من ضيق الدنيا ويشهد ملكوت السماء والأرض وملك الله عز وجل ويحضر قريبا من الله، هذا قرب حقيقي للروح، كما قال ربنا سبحانه وتعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق : 19) وكما قال النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، و كل طاعة تسمى قربة كما قال عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ) (المائدة : 35) فالقربة كل ما يقرب إلى الله ، فيقترب العبد إلى أن

يشهد الرب سبحانه وتعالى يدبر الأمر كما يريد، فيحضر القلب بين يدي ربه،

يشهد من صفات الكمال والجلال والعظمة ما لم يكن ليشهده ويستحضره قبل كذلك،

يشهد حكمة الله حين يدبر،

يشهد قهره للعباد،

يشهد أنه الأول والآخر يجمع بين الأزل والأبد،فيشعر بمدى صغر نفسه وصغر العالم حوله،

يشهد أنه هو الظاهر والباطن فيشهد أيضاً صغر المكان الذي هو فيه فالله محيط بخلقه،

يشهد أن الله عز وجل يفعل في خلقه ما يُحمد عليه عز وجل دائماً، فكل أفعاله خير وكل أسمائه وصفاته خير،

ما الذي أشهده ذلك؟، ما الذي أخرجه من ضيق الصراعات الدنيوية والشهوات الحقيرة والتنافسات والمشاكل والنكد اليومي الذي يعيش الناس فيه؟، الذي أخرجه من ذلك هو إعلانه (لبيك وسعديك) حتى اقترب من الله عز وجل فشهد عظمة جلاله وصفات كماله سبحانه وبحمده، ولا يزال العبد في مزيد من هذا الشهود المستلزم للحب العظيم طالما كان في مزيد من الإجابة والإسعاد بأمر الله سبحانه، ولا نهاية لهذا الأمر ولا في الآخرة.

هاهم أهل الجنة لا يزالون يقتربون من الله أكثر، ويشهدون عظمته أكثر ويزدادون له حباً وتعظيماً، ويزدادون بذلك سعادة، ولذلك لدي ربهم عز وجل مزيد لا ينقطع، ولا قدرة للعقل البشري على أن يحيط بكيفية ذلك، لكن أهل الجنة نعيمهم دائماً في مزيد، والمزيد أساسه النظر إلى وجه الله عز وجل والمعرفة به، إنهم إذا رأوا ربهم عز وجل عرفوا من كماله وجماله وجلاله ما لم يحيطوا به قبل ذلك، رأوه سبحانه وتعالى فيكون ذلك أعظم سعادة، كما أن المعرفة بكمال الرب سبحانه وتعالى في الدنيا هي أكمل سعادة في الدنيا وشهود الأسماء والصفات واستحضار معانيها وتعظيم الرب سبحانه وتعالى أعظم نعيم ممكن أن يناله الإنسان في الدنيا، فكذلك في الآخرة لا يزال في تقرب والله يقترب منه أكثر بلا نهاية.

(والخير كله في يديك) كان العبد قبل التلبية بعيداً فلم يكن يشهد أنواع الكمال والجمال والعظمة و الخير الذي في يديه سبحانه ، فإذا شهد ذلك قال: (والخير كله في يديك)، ليس في أفعال الله ولا في أسمائه وصفاته شر قط، ولا ذرة ولا أدنى من ذرة، وأما في مخلوقاته فليس فيها شر محض، فقد يخلق الله شراً، ولكن ليس شراً من كل جهة، بل ما خلقه الله من الشر يجعل فيه خيراً من وجه آخر، ربما لهذا المخلوق الذي اتصف بالشر أو قام به أو فعله إذا تاب ورجع وأناب إلى الله، كما تكلمنا عن حكمة الله عز وجل في تقدير الذنب على العبد وفرحه بتوبة عبده حين يتوب إليه وتنقلب هذه الذنوب حسنات لأنها سبب للتوبة التي قربته إلى الله سبحانه وتعالى.

ويمكن ألا يتوب هذا المخلوق ويظل على ذلك إلى أن يموت، فأين الخير؟ يجعل الله الخير لغيره من المخلوقين، الذين يحصل لهم من أنواع الخيرات - بسبب هذا الشر النسبي الذي وقع منه - ما لا يحصيه إلا الله، وذلك بمجاهدته ومخالفته وكراهيته فيأخذون ثواباً على ذلك، يجاهدون في سبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصبرون على ما يلقونه، ويلجئون إلى الله ويتحصنون به ويشهدون فضله عليهم ومنته التي لم يوفق غيرهم لها، ويقولون الحمد لله أن عافانا من هذا الشر، كما قال الله تعالى عن المؤمن أنه يقول لقرينه (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (الصافات : 56 , 57) فما الذي جعله يشهد نعمة ربه أكثر؟، أنه رآه في سواء الجحيم، فيعرف نعمة ربه. وغير ذلك كثير من أنواع العبودية والخيرات التي لا يحصيها إلا الله سبحانه والتي تترتب على تقدير وقوع الشر..

فكل ما يفعله الله يستحق عليه الحمد، ويوم القيامة كل الناس تشهد بذلك حتى الكفرة الذين دخلوا النار كما قال سبحانه وتعالى (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الزمر : 75)، قال الحسن:"إن أهل النار دخلوا النار، وإن حمد الله لفي قلوبهم لا يملكون غير ذلك"، فرغم ألمهم وعذابهم وشقائهم لا يملكون أن ينسبوا إلى الله النقص أو الظلم فيزعمون أن هذا العذاب في غير موضعه، فما وقع يستحقونه بمقتضى العدل والحكمة، فلا يملكون إلا أن يقروا أنه الحميد سبحانه.

والمؤمن مع هذه الجملة العظيمة (والخير كله في يديك) ينظر فيما يفعله الله به وبغيره، ويشهد فضله عليه في المنحة والمحنة والعطاء والمنع، وعندما يمنعه يحمده ويشهد خيراً في هذا المنع، وعندما يمتحنه في محنة يشهد فيها من أنواع الفضل العظيم ما يحمد الله عليه، وربما تكون هذه المحنة بالنسبة له أكثر نعيما من فترات المنح والعطايا الدنيوية، وعندما يعطيه من الدنيا وعندما يرفع عنه المحنة يشهد الخير في ذلك، قال سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) فالله سبحانه يجعل في ما يصيب المؤمن من الآلام والمشاق من أنواع اللذات والنعم ما لا يحصل له إلا بالألم (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرا) النساء19، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة216.

فإذا شهد المؤمن ذلك رضي بالله ربا مدبرا معينا وكيلا، يفوض إليه أمره كله، ويرضى عنه في كل ما يفعله من حيث فعله هو سبحانه، وإن كان لا يرضى بما لا يرضى به سبحانه من المخلوقات، فهناك نظرتان، نظرة المؤمن إلى أن ربنا هو الذي يفعل فيرضى عن فعل الله، ونظرة أخرى إلى المخلوق الشرير فلا يرضى به، لأن الله الذي خلقه لم يرض عنه، فربنا يكره الشر وإن كان خلْق الله للشر ليس بِشر، فخلق الله للشر وراءه من الحكم والمصالح والنفع والخير للمؤمن ما يجعله يقول (الخير كله في يديك، والشر ليس إليك) فالمؤمن تابع لأمر ربه الشرعي في محبته وكراهته ورضاه وسخطه، يرضيه ما يرضي ربه ويسخطه ما يسخطه، ويحب ما يحبه ويكره ما يكرهه، أما عن فعل ربه عز وجل وأسمائه وصفاته فهو دائما شاهد فيها الخير والكمال والفضل، راض به على الدوام.

إن هذه المسألة من أسباب السعادة المعجلة في الدنيا قبل الفوز الأبدي بها في جواره سبحانه وتعالى، والرضا عن الله الذي يؤدي إلى أن يرضى الله عنه (رضي الله عنهم ورضوا عنه) هذا الرضا راحة،ولا يوجد راحة في الدنيا إلا بالرضا، نسأله سبحانه أن يرزقنا رضاه وحبه والرضا به وعنه عز وجل.

وقوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (والشر ليس إليك) أي لا ينسب إلى الله عز وجل وصفا فليس من صفاته الشر، ولا ينسب له فعلا ولا اسما، كما لا يتقرب به إليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون الشر خارجا عن مخلوقاته، بل هو من خلقه بلا شك قال تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر49، وقال تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الزمر62، يشمل ذلك الخير والشر، وقال إبراهيم عليه السلام (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات96، ولكن خلقه سبحانه للشر ليس بشر، فهناك فرق بين الخلق الذي هو فعله والمخلوق، فالعباد فاعلون حقيقة لأفعالهم، خيرها وشرها، والله خالقهم وخالق أفعالهم وإرادتهم وقدرتهم، وهو الذي جعلها سببا لوقوع أفعالهم، وقدَّر ذلك، ومن هنا كان وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره، وشر القدر هو الشر المقدر، فربنا قدر وجود شر، وليس أن فعل الله شر، فعل الله خير وليس فيه شر، (والشر ليس إليك) فالشر الذي في القدر هو المقدر المخلوق، فالله قدر وجود الخير وقدر وجود الشر، فهذا معنى الإيمان بخير القدر وشره، فأما فعل الله عز وجل فكله خير لا شر فيه البتة والحمد لله رب العالمين.

فعندما يقول العبد (الخير كله في يديك والشر ليس إليك) يجد أحيانا من نفسه تعجباً لماذا يوجد هذا الشر ؟، ولماذا لا يريد أن ينتهي؟، وماذا سنفعل فيه؟، فعندما يستحضر أن الخير كله في يد الله، وأن الشر ليس إليه، وأن هذا الشر الذي وجد في النهاية من وراءه خير، يستريح رغم الألم الموجود، ويحصل له من العطية في الشر المقدر من عند الله عز وجل ما تقر به عينه إذا تقرب إلى الله عز وجل.

ولكن كيف يصل الإنسان لهذه المرتبة؟، (أنا بك وإليك) لن يصل بنفسه، بل بالله عز وجل، وكيف سيثبت؟، فالوصول شيء والثبات شيء آخر، فربما يصل ثم تأخذه الدنيا ثانية، نسأل الله العافية، فيقول (أنا بك وإليك) فيه تحقيق إياك نعبد وإياك نستعين، فقوله (أنا بك) معناه الافتقار التام إلى الله والاستعانة به، أنا بك يا رب أنت الذي خلقتني و أوجدتني، وحياتي وسمعي وبصري وقلبي بك يا رب، وكل قواي وإرادتي وبقائي ليس لي منه شيء، إنما كل ذلك بك يا رب، وعبادتي وذكري وتوجهي إليك، وركوعي وسجودي وصومي وصلاتي واهتدائي بك يا رب.

(وإليك) فيها معنيان، الأول: أنا مخلص إليك و الثاني: راجع إليك، ففي الأول تحقيق توحيد الألوهية، وفي الثاني تحقيق الإيمان باليوم الآخر، فالأول التوحيد والعبادة والثاني أنا معروض عليك، وأنا أتذكر الإيمان باليوم الآخر، قال تعالى (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) البقرة281، وهذا من أعظم أسباب الإخلاص.

كيف يحقق الإنسان الإخلاص؟، يتذكر مرجعه إلى الله وموقفه بين يدي الله، ويتذكر أنه يريد أن يتوجه إلى الله، فكلما تذكر الإنسان نهايته وأنه موقوف بين يدي ربه فردا بلا حجاب ولا ترجمان، وأن من حوله من الناس من أهل وولد وأصحاب وغيرهم كلهم تاركه وحيدا فردا (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) مريم95، حينما يتذكر ذلك يصغر الناس في قلبه وتصغر الدنيا فلا يعمل لهم ولا لها، بل يجعل عمله لله وحده لا شريك له، فهناك ارتباط وثيق بين المعنيين: بين معنى توجهي إليك يا رب وبين مرجعي إليك يا رب. (أنا بك وإليك) فيها معاني الاستعانة والعبادة والإيمان باليوم الآخر وكلها مرتبطة ببعضها، (الخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك) وأقسم بالله العظيم أن هذا دعاء عجيب الشأن، ووالله، فعلا، من جوامع الكلم ومعجزة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين .

صوت السلف



[size=21]12- أنا بك وإليك

كتبه دكتور ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، أما بعد،
قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).


في قوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) فيه تحقيق الامتثال لأمر الله تعالى بالفرار إليه، قال عز وجل (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الذاريات 50، وهو مثل قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (اللهم أنى أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، كذلك فإن العبد إنما يفر من قدر الله إلى قدر الله، ويدافع قدر الله المكروه بقدر الله المحبوب وذلك بالاستعانة بالله وبتوفيق الله عز وجل.
فينبغي أن يستحضر الإنسان أنه في خطر، وهذا الخطر بقدر الله عز وجل ولن ينجو منه إلا بالفرار من الله عز وجل إليه، وهو عز وجل الذي يقدر له الخير وينجيه من القدر المكروه، كما قال عمر:"نفر من قدر الله إلى قدر الله", أي نفر من قدر الله المكروه إلى قدر الله المحبوب.
وإن من دخل النار دخلها بقدر وبالحق الذي كتبه الله عليه والشقاء الذي كتب عليه, ومن دخل الجنة دخلها بقدر، بقدر التوفيق من الله عز وجل وقدر الهداية حتى يدخل الجنة.
فأنت تفر من النار إلى الجنة، تفر من غضب الله عز وجل وعقابه إلى مرضاته وطاعته ولن يكون ذلك إلا بالله، فلا ملجأ يتحصن العبد به مما يقدره الله عليه من المكروه والسوء إلا إلى الله سبحانه، ولا نجاة للعبد مما يخافه ويحذره مما أصابه ووقع به إلا بالله، فالعبد يفر من الله - أي مما يخافه من عقوبته وسخطه ومعاصيه التي هي أسباب العقوبة - إلى الله أي بالاستقامة على أمره والعمل بطاعته والإخلاص له فإنه بذلك ينجو من سخط الله تعالى وعذابه.
وهو يعوذ بالله منه، يعوذ بالله عز وجل من أن يُقَِدر الله عليه مكروها، إذ كل شيء ملك يده وكل شيء بقضائه وقدره فلا يملك العباد لأنفسهم ضراً ولا نفعا ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً, فكيف يملكون ذلك لغيرهم ؟!
وهذا الدعاء يتضمن عدم رجاء الناس ولا خوفهم، فالخلق لا يملكون له ضراً ولا يجلبون له نفعاً, فعلام يرجوهم أو يخافهم؟!
فإن ما أصابك بقدر الله ما كان ليخطأك، وما أخطأك مما لم يقدره الله لك لم يكن ليصيبك، ولو اجتمع الخلق على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله، عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وهذه الكلمة والتي قبلها(أنا بك وإليك)و(لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك)تجمعان بين الإيمان بالقدر الامتثال للشرع بأيسر عبارة وأوضح معنى مفهوم، وتحل المشكلة التي حيرت البشرية البعيدة عن الوحي منذ أزمنة متطاولة في كيفية الجمع بين الأمرين، بين الشرع وبين القدر، بين شهود أفعال يخلقها رب قادر وبين أن العباد لهم قدرة وإرادة وأفعال، فهذه المسألة لم تزل تحير البشر،
منهم من قال بالجبر ولم يرى قدرة الإنسان ولا إرادته،
ومنهم من قال بنفي القدر وقال لا توجد قدرة لله على أفعال العباد الاختيارية،
ومنهم من أنكر وجود الله بالكلية - كالماركسيين مثلا-، فسبب الإلحاد عند ماركس هو هذه القضية فقد أنكر وجود الله بالكلية لأنه لم يفهم هذه المسألة، بل مدار نفيه لوجود الله - عندما يبرره في فلسفته- هو أنه كيف نقول بوجود رب لابد أن يتصرف في أفعال عباده؟، ولو تصرف في أفعال العباد يبقى أنه لا معنى لأمرهم ونهيهم ولا لوجود تشريع أو دين وبالتالي نفى الدين ونفى وجود الله، والعياذ بالله.
لذا فهذه الجملة (لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك) والتي قبلها (أنا بك وإليك) تحل هذه المشكلة، فنحن نؤمن بالقدر ونستعين بالله شاهدين قوته وقدرته وحكمته وحكمه وعدله وفضله، ونشهد كذلك حكم الله الكوني فله الحكمة في كل ما يقدر، وهو العدل في كل ما يفعل، والأمر بيده عز وجل ومن ثم نعمل بالشرع نخضع له ونستسلم لأوامر الله الشرعية ونحن مستعينين بالله في ذلك راغبين في فضله راهبين من عقابه محبين له ولما يحبه ويرضاه.
ترى ذلك الأمر في الفاتحة حيث التأكيد على هذه القضية في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة 5، ذلك أن هذه القضية عظيمة الأهمية فهي متكررة كثيرا جدا في مواطن مختلفة وكذلك هي موجودة في معظم أدعية النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah فقد تكرر كثيرا الجمع بين الإيمان بالقدر والإيمان بالشرع، تجد ذلك أيضا في سورة الحديد قال عز وجل (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) الحديد 22 ثم قال بعدها (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد 25، فنحن نعمل بالشرع ونؤمن به، نؤمن أن المصائب كلها مقدرة قبل خلق العالم ونؤمن كذلك بأن الشرع نزل ليقوم الناس بالقسط -الكتاب والميزان -الذي توزن به الأعمال والأقوال القياس الصحيح.
وقوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (تباركت وتعاليت)
البركة الخير الكثير، فتبارك الله أي كَثُر خيره وعَظُمت صفاته وحَسُنت أسمائه سبحانه وبحمده.
إن هذا من أعظم رجاء يرجو به العبد الخير من ربه وهو أن يشهد الخير الكثير منه عز وجل وفي صفاته وفي أفعاله عز وجل، فمن هنا يرجو العبد أعظم الرجاء والله عز وجل لا يُعدم منه الخير أبدا، وفي الحديث (لن نعدم من ربِ يضحك خيراً)، فكذلك لن نعدم من ربِ تبارك خيراً، يقول الله عز وجل (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) الملك 1، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ)الفرقان 1، فلا نزال نرجو الخير من الله تبارك وتعالى.
والتعالي من صفاته سبحانه وتعالى وهو بمعنى العلو،
علو الذات فهو فوق عرشه كيف شاء سبحانه وعرشه سقف لجميع مخلوقاته فهو عز وجل فوق خلقه جميعاً (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل 50، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) الأعلى1 ، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة 255, هذا علو الذات.
وعلو الشأن فهو سبحانه وتعالى متعال في كل صفات كماله عما يضادها من النقص، فتعالى في وحدانيته وإلهيته عما يشركون، تعالى عن وجود الشريك وتعالى في كمال أسمائه وصفاته عما يصفه به المخالفون للرسل من صفات النقص كما يقولون (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً) البقرة 116 تعالى عما يصفون، تعالى عما يشركون، تعالى في كمال ربوبيته وقيومته عن الظهير والمعين، (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)سبأ 22، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، وتعالى في كمال حياته عن السنة والنوم والموت (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) الفرقان 58، وقال تعالى (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) البقرة 255، وتعالى في كمال عدله عن الظلم ولو مثقال ذرة (إِنَّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نسيم البحر
عضو فعال
عضو فعال
نسيم البحر


الجنسية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Femal
الهواية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Unknow11
المهنة : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Counse10
الدوله : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  B7rene
عدد المساهمات : 71
نقاط : 109
السٌّمعَة : 100
تاريخ التسجيل : 03/02/2010

سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1    سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:42 pm

5- اللهم أنت الملك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
واستكمالا لما بدأناه من شرح دعاء الاستفتاح، نذكر قول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)، وهذه الجملة تتضمن أموراً عظيمة الأهمية والقدر، وبيان ذلك أن الصراع بين الحق والباطن مستمر والمؤمنون يمثلون في هذا الزمان حلقة من حلقات هذا الصراع، والقضية الأساسية في هذا الصراع هي قضية توحيد الله عز وجل، والخصومة في التوحيد مع أهل الشرك والكفر هي أنهم يريدون أن يُعبد غير الله، ونحن نريد أن يُعبد الله وحده لا شريك له.
وقد قضى الله بعلمه وحكمته أن تكون قوة المؤمنين المادية غالباً -وربما دائماً- ضعيفة خصوصاً في ابتداء كل حلقة من حلقات الصراع، وأن يكون الملك والسلطان الظاهر في الأرض فيما يبدو للناس لأعداء الله سبحانه، وذلك ليستعين المؤمنون بالله وليتوكلوا عليه لا على أنفسهم وليتعبدوا له بأنواع العبودية المتعددة والتي من أهمها شهود ملكه -عز وجل- في السموات والأرض.
فالمؤمن يشهد كل لحظة أن الملك لله، يستحضر هذا كل ليلة من الليالي حينما يقول (اللهم أنت الملك)، كما في الدعاء الآخر في استفتاح قيام الليل أيضاً (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيـَّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) رواه مسلم، إن شهود ملك الله عز وجل هو من أعظم أنواع العبودية الذي اختص به أهل الإيمان، لأن الكفرة يظنون أن الملك لهم، وأما المؤمن فإنه رغم وجود الملك والسلطان الظاهر للكفار فإنه يستحضر أن الملك الكامل لله عز وجل، ويشهد ملك الله للسموات والأرض وما فيهن، والمؤمنون جند الله، جند الملك الذي لا يُغلب والذي لا يمانع ولا يُغالب، والتوسل إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، اسم "الملك" من أعظم ما يستنزل به النصر وتثبت به الأقدام والقلوب، ويتذكر به المؤمن حقيقة الميزان في هذا الصراع، ولا تغره زينة الدنيا.
وقد روي في الأثر عظيم النفع - برغم كونه من الإسرائيليات- فيما أورده ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أن الله - عز وجل- قال لموسى - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (انطلق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، إن معك يدي وبصري، وإني قد ألبستك جُنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري، وعثَّرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشه جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرَّقَته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي، فبلِّغْه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وذَكّْره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يردعنـَّك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه، وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العٍقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني. ولا تعجبنكما زينته، ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة، وما ذاك لهوانهم عليًّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفوراً لم تَكْلُمْه -لم تجرحه- الدنيا، واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرَّض لي نفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أَكِلُ -لا أترك- نصرتهم لغيري).
فالله يؤيده بنصره، وقد ألبسه جُنَّة أي وقاية من العدو من عند الله -عز وجل-، والله يعصم من اعتصم به وليس فقط موسى - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-. والكفرة في أيديهم من القوة والسلطان ما يستطيعوا أن يدمروا به قوة المسلمين ومع ذلك فقد كف أيديهم عنهم، جعلهم يتركونهم في أنواع من العبودية لله عز وجل رغم ما يريدون من الكيد للإسلام، فهذه من آيات الله، وفي قصة موسى - عليه السلام- أمر من أجلى الأمور وأوضحها، وهو أن فرعون مهما يملك من القوة المادية الظاهرة يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)(غافر: 26).
ففي كل مرة فرعون ممنوع من قتل موسى، وإلا ما الذي يقيده حتى يقول (ذَرُونِي) سوى شعوره بأنه لا يقدر، وفي كل مرة يغرونه بموسى يبحث عن غيره (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)(الأعراف: 127)، فالمؤمن كذلك عنده جُنَّة من سلطان الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، فهناك من يريدون أن يصلوا بأيديهم إلى المسلمين والله يكف أيديهم، فالله يصرف المؤمنين عن الدنيا لعلمه بأن القلوب تتعلق بها إذا وقعت فيها، ولذا كان من دعاء النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) رواه مسلم، الذي يكفيه دون أن يحتاج إلى الناس ودون أن يزداد عن حاجته فيتعلق قلبه عن الدنيا، وكل نصيب يستمتع به المؤمن في الدنيا ينقص من نصيبه في الآخرة.
كل هذه المعاني يشعر بها المؤمن في قلبه عند قوله (اللهم أنت الملك)، يشهد بهذه المعاني وغيرها كثير فيحيي بها قلبه، ويثني على ربه هذا الثناء العظيم الذي يتكرر في الفاتحة، في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(الفاتحة: 4)، وهو ملك كل الأيام ولكن ذكر يوم الدين لأن الملك الكامل لله وحده ظاهر يومئذ للخلق جميعا، المؤمن والكافر، دون منازعة ولا حتى في الاسم، يوم الدين يوم يظهر فيه للكل، للمؤمن والكافر، أن الملك لله.
وإن للمؤمن حاجة، بل ضرورة إلى تمرير هذا المعنى على قلبه، بل وترسيخه وثبوته حتى يستحضر أن ما يفعله الأعداء أنما هو بأمر مليكه المقتدر ليختبره في ذلك، فلو شاء الله لتغيرت هذه الموازين كلها في لحظة ولكنه يختبرنا، أنفرده بالألوهية والعبودية والحب والخضوع والطاعة لا إله إلا هو، أم نغفل ونظن أن الكفرة والظلمة يملكون فنتابعهم على الباطل؟
فاللهم إنا نعوذ بك من ذلك، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، والحمد لله رب العالمين


6- اللهم أنت ربي وأنا عبدك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-، أما بعد،
يقول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفركوأتوب إليك).
تكلمنا في المقالات السابقة عن الجملة الأولى (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)،والثانية (إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين).
ونستكمل اليوم كلامنا عن الجملة الثالثة (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) حيث يشهد العبد فيها ملك الله عز وجل وألوهيته، ثم أتبعها النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- بقوله (أنت ربي وأنا عبدك) ففيها شهود الألوهية بعد شهود الملك والربوبية، فجمع أنواع التوحيد، ثم تجد هذه الأنواع تتكرر في أجزاء الدعاء، واحدة تلو الأخرى، فيعود ليشهد كل نوع بطريقة أخرى، وتكرار هذه الحقائق الإيمانية لكي تستقر قضية التوحيد في النفس، فمعاني الإيمان تتضح أكثر وأكثر مع كل كلمة من كلمات الأدعية النبوية.
ونجد الثناء على الله تعالى باسم (الرب) مضافا إلى ضمير المتكلم المفرد، حيث لم يقل أنت ربنا بل قال أنت ربي، فهذا له مذاق خاص وجميل في استشعار الإصلاح الخاص، فمعنى الرب: المصلح شأن غيره، كما في الحديث (قال هل لك عنده من نعمة تربُها ؟)(رواه مسلم) يعني: تقوم عليها وتصلحها، فإذا قال العبد (اللهم أنت ربي) يستشعر فيها أن الله عز وجل هو الذي يدبر أمره، والله رب العالم كله، ولكن هناك ربوبية خاصة لعبده المؤمن، يصلحه إصلاحا غير الذي أصلح به شأن الآخرين، أصلح للآخرين شأن دنياهم وشأن حياتهم وأصلح للمؤمن كل أمره - دينه ودنياه-، فهو يتوسل إلى الله عز وجل بأنه عبده الذي يحتاج إليه، فهو يفتقر إلى الله عز وجل و يتوسل إليه بأعظم عمل صالح يعمله عبد، وهو العبودية له سبحانه.
هذا التوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، والتوسل إليه بالملك والألوهية والربوبية، كأن العبد يقول "أنا فقير إليك بكلي، وأتوسل إليك بكل ذرَّاتي، فتول أمري وإصلاحي".
وفي قول النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت) ما يوضح ذلك، فإن وقوف القلب ذليلا منكسرًا بين يدي ربه من أعظم أسباب أن يُجبر وأن يعطى ما يزيل نقصه وكسرته، وأعظم أسباب محبته لربه، لأن الذل والحب قرينان في العبودية فإذا انكسر الإنسان لله أحبه، وإذا أحبه ذل لربه وخضع له، وهذا الذل يحدث للعبد من عدة جهات كلها مطلوبة:
أولا: ذل الفقر والحاجة، فالله هو الرب الغني الحميد، والعبد مربوب فقير بمقتضى كونه مخلوقا، أي أن العبد فقير ليس بيده من وجوده شيء، فقير في نبض قلبه وجريان الدم في عروقه، فقير في سمعه وفي بصره وفي مخه وفي كل جزء من أجزائه وفي كل شأن من شؤونه، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)(فاطر:15)، هذه الحقيقة يشترك فيها المؤمن والكافر، ولكن يشهدها المؤمن فحسب، فيحصل له بذلك ذل الفقر والحاجة إلى الله سبحانه إذا شهد ذلك، فهذا النوع الأول من أنواع الذل إذا شهده العبد فإنه ينكسر لله عز وجل.
ثانيا: ذل العبادة، تذلل العبد فعليا بالعبادة، كونه يمارس العبادة، كونه يركع و يسجد ويقف، فهذا ذل يحدث به للإنسان الانكسار، كذلك الهيئات التي تكون للإنسان في الصلاة يحصل بها أنواع عظيمة من الحب لله عز وجل، هيئته نفسها تقربه إلى الله كما قال النبي - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)(رواه مسلم)، والركوع لله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)(الحج:77)، هذا افتقار إلى الألوهية، لأن الإنسان محتاج إلى أن يتعبد وينكسر لله، وإن لم ينكسر ويذل لله ذل لغيره لأنه فُطر على كونه عبدا، فأكثر الخلق يعبدون غير الله، فلماذا يذلون لغير الله من منصب وجاه وكبير ورئيس؟ يحصل هذا لأن العباد فطروا على أن يكونوا عبيدا محتاجين إلى التأله وتعلق القلب بإله، فنسأل الله تعالى ألا يذلنا لغيره.
فالأول ذل الفقر والحاجة، ذل إلى الربوبية، والثاني ذل العبادة الذي يتحقق للعبد بقوله (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهو يتوجه إلى الله بأعماله وبقوله (أنت ربي وأنا عبدك)، فإن العبادة و هيئات القيام والركوع والسجود - بخاصة- تجلب للعبد ذلا وانكسارا لا يحصل للعبد بغيرها، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبودية أحد بدون الصلاة، فالذين يقولون: "الصلاة وسيلة لا غاية"، أناس كفرة والعياذ بالله.
ثالثا: ذل الابتلاء والمحنة التي لا يملك العبد لها دفعا إلا بالله، ولا يجد قوة لدفع الضرر عن نفسه وأهله ولا تحويله إلا أن يكشفه الله ويحوله، وذلك يحصل للإنسان أثناء المحن وأثناء الألم وأثناء المرض والتعب، ويتعجب الإنسان فعلا إذا أصابه ابتلاء فيظل منكسرا ذليلا فيُفتح له أبواب من الخير فيحمد الله عز وجل على أن قدّر هذا المرض أو هذا الألم أو الابتلاء، لأنه من خلاله وصل إلى نوع من الذل والانكسار. أما الرخاء الدائم يجعل الإنسان مترفا، ويشعره أنه ليس محتاجا والعياذ بالله، وهو محتاج تمام الاحتياج، كما قال عز وجل (وأترفناهم في الحياة الدنيا)(المؤمنون:33).
وهذا الأمر من فوائد الاعتكاف حين تبعد عن الأهل فيحصل نوع من الألم يورث انكسارا، كما ورد عن قوم يونس - عليه السلام- أنهم ندموا عندما فارقهم يونس، فجأروا إلى الله عز وجل بالدعاء وفرقوا بين الوالدة وولدها، لأن الشعور بالألم والحاجة والمحنة والشعور بالغربة، تورث الإنسان فقرا وذلا لله عز وجل ليس له نظير، فقد نقول في بعض الأحيان أن من نعم الله العظيمة ما يقع للمسلمين من آلام ومحن، لأنها تفتح أبواب تضرع عظيم جدا وشعور بالانكسار وشعور بالذل والحاجة والافتقار إلى الله، وليس لهذه الأبواب بديل وليس لها نظير، فيستشعر الإنسان آلام المسلمين ومحنهم ويتضرع لله عز وجل أن يفرج ذلك الأمر، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(الأنعام:43).
ابحث عن نوع الألم الذي في حياتك واستحضره واستحضر أنه لا يكشفه إلا الله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)(الإسراء:56)، ولا يوجد بشر إلا وعنده ضر وعنده ألم، ولكن كثيرا من الناس يتعاطى مُسكرا فينسى ذلك وهو عنده آلام مستكنة لكنه يحاول أن يغطيها، أما المؤمن لا يحاول تغطيتها بل يحاول أن يدفعها بالله عز وجل، ويستحضرها لينكسر لله سبحانه وتعالى.
رابعا: ذل الحب المتضمن في معنى الإله، فهو المحبوب لذاته، الذي يذل له العبد، فالحب أصلا يجلب الذل، تلقى الحبيب يمشي وراء محبوبه ذليلا له، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنه، فالحب نوع آخر من الذل، مع أنه في الدنيا لو أحب الإنسان أحدًا فمن الممكن أن يستغني عنه، فهذا الحب لله عز وجل يجلب نوعا خاصا من الحب لأنه لا يُحب لذاته إلا الله فالحب يؤدي إلى الذل، والذل يؤدي إلى الحب ويزيد كل منهما في الآخر فيظل العبد في ارتفاع وسمو.
يبقى ذل آخر: وهو ذل الذنب وانكساره وشعور العبد بظلمه لنفسه، ثم إقراره واعترافه بقلبه ولسانه أنه قد أذنب وشعوره بأنه لا ينجيه ولا يخلصه من ذنبه ولا يغفره له إلا الله، فيتوسل إليه بهذا الذل، فيقول: "ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فيحصل له بذلك نوع خاص من العبودية، لا يشبهه شيء آخر، ومن أجل هذا الذل قدر الله الذنوب على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين بل على أنبيائه المرسلين، وإن كانت ذنوبهم تختلف عن ذنوبنا، إلا أن النوع البشري قدر الله عليه هذه الذنوب لتتحقق أنواع من العبودية لا يوجد لها نظير، يرتفعون بها فوق منزلة الملائكة في نهاية الأمر، رغم أن الملائكة لا يعصون الله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(البينة:7)، لذلك وقع ما سُمي ذنوبا في حق الأنبياء، والرسول - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah- هو الذي يقول (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهذا ذل الذنب وانكساره.
ثم نتذكر أن هذه الكلمة (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) كان بها نجاة الأبوين وتوبة الله عليهما (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(الأعراف:23)، فالإنسان إذا ظلم واعترف بذنبه كأنه لم يظلم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فشعور الإنسان أنه ظلم واعترف بذنبه يرفعه مقامات عالية، كما ذكرنا لا يصل إليها بغير هذا النوع من العبودية وهذه الكلمة "إني كنت من الظالمين" مع كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هما كلمة النجاة من كل غم لكل مؤمن، كدعوة يونس - عليه السلام- (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(الأنبياء87-88).
ففوائد عظيمة جدا تتحقق بأن يقول العبد (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعـا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فهذا الاستفتاح يفتح الطريق إلى القلب للدخول إلى الصلاة، لأن الإنسان قد يدخل قلبه في الصلاة بعد دخوله فيها بمدة طويلة جدا، وقد لا يدخل قلبه في الصلاة أصلا، ولكن أدعية الاستفتاح إذا استحضرها العبد أعانه الله بها إعانة عظيمة جدا، خصوصا هذه الأدعية المعجزة، وأقسم بالله العظيم أنها معجزة ظاهرة جدًا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قلب بشر تكتمل فيه هذه المعاني بهذا الوضوح لمن تأملها، ولا يمكن أن تكون في كلام بشر آخر وإنما أوتي جوامع الكَلِم - سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah-. والحمد لله رب العالمين


[center]7- واهدني لأحسن الأخلاق
كتبه ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام، أما بعد،
قول النبي صلي الله عليه وسلم: )وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).


نواصل الكلام عن قوله صلي الله عليه وسلم (واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت).
الأخلاق منها وهبي جبلي، يفطر عليه الإنسان حسب ما كان قبيحا أو حسنا، ومنها ما هو كسبي عملي يسعى الإنسان إليه بجهده ويتخلق به، وكلا النوعين بيد الله،وهما من عطائه ورزقه،ورزق الإنسان في الأخلاق أهم وأخطر بكثير من رزقه في الجاه الدنيوي، والنوع الأول الجبلي قابل للتأثير عليه والتغيير وإن كان الأثر فيما يخالف ما جُبل عليه الإنسان ليس كقوته فيما يوافق، فالإنسان المجبول على الكرم ستجد النفقة عليه سهلة جدا، أما المجبول على البخل، هل له أن يتغير؟ نعم، من الممكن أن يتغير وإن كان لن يصبح كالذي جُبل على الكرم لكن سيتغير، وإن العبد لن يجد وسيلة لتحسين خلقه أعظم ولا أهم ولا أكبر أثرا - بل في الحقيقة لا وسيلة غيرها - اللهم إلا اللجوء إلى الله، فتغيير الأخلاق أصعب شيء على الإنسان، وهنا يأتي الارتباط بين الجزء الأول من الدعاء الذي كله عن قضية التوحيد والإيمان، وبين قضية الخُلق، لأن الخُلق هو جزء من الإيمان في الحقيقة.
ولهذا كان هذا الدعاء العظيم (واهدني لأحسن الأخلاق...) و دعائه صلي الله عليه وسلم (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها)، فتزكية العبد لنفسه لن تثمر ثمرتها إلا أن يُزكيه الله، والعبد مأمور أن يتزكى (قد أفلح من تزكى)، فتزكيته عز وجل خير تزكية، وتزكية المرء لنفسه ليس لها قيمة إذا لم يزكها الله عز وجل.
فصل مختصر في أحسن الأخلاق: أحسن الأخلاق هي أخلاق الرسل وهي صفات الرجولة (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) فلم يقل "إلا ذكورا" بل قال رجالا، فالرجولة صفات، فنذكر بها أنفسنا باختصار.
بني هذا الأمر على الصدق مع الله والناس، وترك الكذب بالكلية والصبر واحتمال الأذى من الخلق، وعندما ننظر إلى صدق الأنبياء، نجد صدقا مع الله و مع الناس وفي العمل وهذا شيء أساسي، فمن المستحيل أن يُعرف عن نبي أنه كذب أبدا.
و أما صفة الصبر واحتمال الأذى، فتأمل صبر يوسف عليه السلام واحتمال الأذى الذي تعرض إليه من إخوته، الذين باعوه وفرقوا بينه وبين أبيه وهو يحتاج إلى أبيه أشد الحاجة، وهو كريم بن كريم بن كريم بن كريم،وفعلوا كل هذا فيه وظلوا حاقدين عليه إلى أن كبروا وكبر هو، ومع ذلك سامحهم سيدنا يوسف،فسبحان الله!، أرأيت إلى أي مدى يصل احتمال الأذى، فلنصبرولنحتمل الأذى من الناس نولنحلم عليهم، ولعلنا نتأمل ونأخذ القدوة من حلم يعقوب عليه السلام على أبنائه حين حرموه من ابنه قرة عينه.
إن من أحسن الأخلاق احتمال الأذى من الخلق وكظم الغيظ وكف الأذى عن الناس باللسان واليد والقلب وعدم الانتقام للنفس، إلا أن تنتهك حرمات الله عز وجل، فينتقم العبد لله عز وجل لا لنفسه.
ومن مكارم الأخلاق الأناة والتمهل والعفة عن المحارم وعما في أيدي الناس، فيتعفف العبد بأن يبتعد عما حرم الله ويبتعد عما في أيدي الناس وعن سؤالهم.
ومنها اجتناب القبائح والفواحش وهي الكلمات الظاهرة الفاحشة خاصة بما يتعلق بالعورات، فالإنسان الخلوق هو الذي يتجنب الفواحش في القول والعمل وفي الأموال والأعراض، كما قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في طوافه "اللهم قِني شُح نفسي" ويقول "إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزني لأن كل ذلك من عدم العفة.
ومنها الحياء والكرم والجود والسخاء، والحياء أن يستحي من الله ومن الناس فهذا من حسن الخلق،وترك البخل والغيبة والنميمة وخيانة الأعين وهي تطلعها إلى ما لا يحل خلسة.
ومنها الشجاعة وعزة النفس، والبذل في الحق والقوة فيه، والتضحية، والاستعداد لبذل المحبوب الغالي على النفس وإخراجه ومفارقته عند أمر الله بذلك.
ومنها الوفاء بالعقود والوعود والأمانات، للأهل والأصدقاء والأقرباء، والبر، والصلة والإحسان إلى الخلق، والعدل والتوسط في شيم النفس، فالجود وسط بين التبذير والبخل، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والحياء وسط بين الوقاحة والعجز والمهانة والخور، والحلم وسط بين الغضب وذل النفس وسقوطها، والتواضع والعزة المحمودة وسط بين الكبر والهوان، والقناعة وسط بين الحرص والتنافس على الدنيا، والصبر وسط بين الجزع والهلع وبين القسوة والغلظة وتحجر الطبع والفظاظة، والرحمة وسط بين القسوة والضعف. فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
ومن الأخلاق الحسنة الإيثار بالدنيا، كما وصف الله تعالى الأنصار: (ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة)، وهذا الإيثار بالدنيا من علامات غنى النفس بالله عز وجل، وإنما يؤثر الإنسان على نفسه لأجل أن ما عنده من الله يكفيه، ويحصل غنى القلب وغني النفس بالله سبحانه وتعالى والعبودية له، و كلما اكتملت العُبودية كلما اكتمل الغنى بالله عز وجل فلم يشعر الإنسان بالحاجة إلى الدنيا فعند ذلك يجود بها بل ويُؤثر بها، قال الله تعالى: (ويُطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا).
ومن الأخلاق الحسنة مقابلة الإساءة بالإحسان وسرعة العفو والصفح وقبول المعذرة، قال سبحانه وتعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن)، وقال أيضا (ادفع بالتي هي أحسن السيئة)، وقال عز وجل عن المؤمنين:(ويدرؤون بالحسنة السيئة)، فإن كان بينك وبين أحد خصومة، فأساء إليك، فانظر كيف تعامله إذا كنت تريد أن تعرف منزلتك من حسن الخُلق وهل هُديت إلى أحسن الأخلاق؟ ، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان فأنه يدل على كمال حُسن الخُلق.
وكذا سرعة العفو والصفح وقبول المعذرة، هناك من تجده بطيء العفو وربما لا يعفو، و لا يسهل عليه أبدا أن يعفو ويصفح، وإذا جاءه أحد معتذراُ أذله وأهانه وأذاقه كأس الهوان الأمر الذي يمنع الناس من أن يعتذروا إليه، وتأمل كيف أن يوسف عليه السلام بادر إلى العفو والصفح وأحسن إلى من أساء إليه من إخوته.
وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah من أشد الناس إيذاءا له عليه الصلاة والسلام، وكان يهجوه في أشعاره،وتأخر إسلامه إلى عام الفتح،حيث أسلم والنبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah في طريقه إلى فتح مكة، فلما أتى مسلما تذكر النبي صلي الله عليه وسلم ما وقع منه فكان يُعرض عنه بعض الإعراض، فشكا أبو سفيان إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ذلك، فقال له:ائته من قبل وجهه، وقل له تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن مردودا منه، فأتاه من قبل وجهه وقال: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فالتفت إليه النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah وقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين،و كان بعد ذلك لا يحجبه وكان يقول: عسى أن يجعل الله منه خلفا لحمزة، وكان بالفعل من شُجعان الفرسان وممن ثبت مع النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah في غزوة حُنين.
ومن الأخلاق الحسنة المروءة في اللسان و المال و الجاه.
والمروءة في اللسان بحلاوة المنطقولينه،فليس من المروءة أنيتكلم الإنسان كلاماحسنا في حد ذاته ولكن بأسلوب غليظ،، فالكلام يكون بالرفق واللين في الطريقة ويكون نوع الكلام نفسه حلوا طيبا.
والمروءة في الخُلق بسعته وانشراح الصدر في معاملة الخلقَ، بمعنى: أن يكون الإنسان ذا صدر واسع يحتمل الناس، فتجد بعض الناس عنده ضيق، لا يحتمل أحدا؛ فبمجرد أن يكلمه أحد في شيء لا يعجبه يضيق به، فمن عنده مروءة في الخلق يكون عنده انشراح وسعة صدر في معاملة الناس ، وهذا إنما يحصل بانشراح الصدر بالإسلام وبالإيمان.
والمروءة في المال ببذله في المواقع المحمودة شرعا كصلة الرحم والإحسان إلى الجار والإحسان إلى الملهوف والصدقة والنفقة في سبيل الله فيُبادر بالنفقة ولا يكون بخيلا بالمال.
والمروءة في الجاه: ببذله للمحتاج إليه، فلو أنالإنسان عنده منزلة وكلمته مسموعة عند الناس وأتاه أحد الأشخاص يطلب وساطته، وهو محتاج لهذه الوساطة فيبذلها ويشفع شفاعة حسنة ويُعين بجاهه من يحتاج إليه من المسلمين.
ومن الأخلاق الحسنة القُرب من الخلق بحيثُ يجدونه في أزماتهم ومشاكلهم، كما قال النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah: (ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل مؤمن هين لين قريب سهل) فالناس تشعر بأنه قريب منها وليس بعيد جدا لا يشعر بهم، لا يعنيه الشعور بآلام الناس ومشاكلهم وأزماتهم، فقد كانت الوليدة (الأمة أي الجارية) من ولائد المدينة لتأخذ بيد رسول الله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah فتنطلق به حيثُ شاءت، وكانت امرأة في عقلها شيء فخلا النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah بها في بعض الطرق فقضى حاجتها، فالقُرب من الخلق صفة مطلوبة للمسلم والمؤمن عموما وللداعية خصوصا،فيجده الناس في أزماتهم ومشاكلهم يحمل الكَل، ويُكسب المعدوم، ويُقري الضيف، كما استدلت خديجة رضي الله عنها: أن الله لا يُخزي محمدا سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah بهذه الصفات، فمن كان كذلك لا يُخزيه الله كما قالت: "والله لا يُخزيك الله أبدا فإنك تحمل الكل وتُكسب المعدوم وتُقري الضيف وتعين على نوائب الحق".أي إذا أصابت الإنسان نائبة أومصيبة وجده سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah معينا.
والرسول سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah كان يحسن إلى الخادم والمملوك فضلا عن الأهل، فأنس رضي الله عنه كان خادم النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah عشر سنين ولم يقل له لشيء فعله، لم فعلته؟، ولا لشيء تركه، لم تركته؟، ويعتذر لأهله عما تركه أنس ويقول: دعوه فإنه إن قُدر شيءٌ كان، فالرسول سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah لم يكن ينتقم لنفسه ولا ضرب خادما ولا مملوكا ولا أمة ولا امرأة إلا أن يُجاهد في سبيل الله.
و كان كل من يرى يوسف عليه السلام يقول له: إنا نراك من المُحسنين، وسيدنا يوسف دخل السجن ومع ذلك لم يكن مهموما مغموما ولم يقل "أدخلتموني السجن ظلما بل كان يعود المريض ويواسي المحزون ويُحسن إلى الناس في داخل السجن بالرغم من أنه لا يملك شيئا، فالإنسان ممكن ألا يسع الناس بماله بل بخُلقه والكلمة الطيبة، لذلك قال الصاحبان لسيدنا يوسف:(نبأنا بتأويله إنا نراك من المُحسنين)، فالإحسان أمر ظاهر، ففي السجن كان محسناُ وفي الملك كان محسنا، وقال إخوته: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين).
والرسول سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah بلغ الكمال البشري في هذه الصفات، فكان يُجالس المساكين ويُجيب الدعوة ولو إلى شيءٍ يسير، فالنبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah أجاب الدعوة إلى إهالة سنخة وهي دُهن متغير بدأ يكون فيه بعض النتن،لكنه لم يُنتن النتن الذي يضر، فكل من تشبه بالنبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah يكون له نصيب من من هذا النور بقدر، فنريد أن يكون تشبهنا بالنبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، ليس فقط في الهيئة الظاهرة ولكن أيضا في الصفات المذكورة. فالمسلم الصالح يمشي مع الأرملة واليتيم والمسكين ليقضي حوائجهم،ويبدأ بالسلام من لقيه فأبو بكر الصديق رضي الله عنه مشي مع بعض صغار الصحابة فكان إذا لقيه أحد بادره أبوبكر بالسلام من بعيد ولا ينتظر الناس أن تلقي عليه السلام حتى يرده. ولابد أن يكون العبد هينا لينا سهلا، فالهين عنده تواضع، لَيِّن في الكلام والمعاملة سهل في التعامل، فليس هناك صعوبة في الوصول إليه ولا أن تقضي حاجتك منه، ليس عنده حده في الطباع ولا شدة ولا غلظة.
و أيضا فالمسلم يعود المريض ويشهد الجنازة ويرد السلام ويشمت العاطس وينصح السائل ويعطي من حرمه ويصل من قطعه ويعفو عن من ظلمه.
فتعطي من حرمك والذي منع أن يعطيك وأنت محتاج فعندما يرزقك الله تعطيه، وتصل من قطعك و قد قال سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah: (وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعوه وصلهم) وتعفو عمن ظلمك، فلا تتكبر ولا تحسد ولا تتعالى على الخلق ولا تبغي فتجاوز الحدود، ولا تفخر بأن تقول أنا فلان، أنت لا تعرف من أنا!.
و كذلك المسلم لا يغش الناس في بيع ولا شراء ولا معاملة، ولا يتبع المحرم من شهوات الجنس أو شهوة المال أو شهوة الطعام والشراب أو شهوات الرياسة والملك.
وكذلك لا يُخاصم لنفسه بل لله عز وجل ولا يعاتب أحدا في حقها، فلا يعاتب الناس كثيرا ويقول لهم أنت قصرت في حقي وفعلت كذا وأنت صدر منك كذا. لا... بل يتنازل عن حقه، وإنما يُخاصم لله عز وجل كما قال النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah: (اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت).
فهو يخاصم لله وبالله، ينتقم لله عز وجل، ويغضب من الناس لوأنهم قصروا في حق الله عز وجل، أما في حق نفسه فلا يُخاصم ولا يُعاتب ولا يُماري ولا يُجادل إلا بالتي هي أحسن.
فمثلا: بعض الناس يكون لها رأي في مسألة معينه فيأخذ الرأي المُخالف حتى يُخالف من أمامه ويجادله حتى يريه أنه يعرف المجادلة، ومهما يعطيه الآخر من الحجج والأدلة يظل على المذهب المخالف،وكل ذلك بسبب حب الجدل والمراء، وليس هذا من الجدال بالتي هي أحسن، والله عز وجل يقول: (ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) فعندما تجد المناقشة قد دخلت في جدال ليس بالتي هي أحسن، و ليس الوصول إلى الحق هو الغاية المقصودة، اترك الجدال ولا تستقصي حقكوتمثل قول علي رضي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نسيم البحر
عضو فعال
عضو فعال
نسيم البحر


الجنسية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Femal
الهواية : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Unknow11
المهنة : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Counse10
الدوله : سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  B7rene
عدد المساهمات : 71
نقاط : 109
السٌّمعَة : 100
تاريخ التسجيل : 03/02/2010

سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1    سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:45 pm

تمت السلسلة بحمد الله

13- أستغفرك وأتوب إليك
كتبه دكتورياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، أما بعد،
قول النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah: (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

قوله سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (استغفرك وأتوب إليك) ختم به هذا الدعاء العظيم الذي هو من معجزات النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah الباهرة، والذي بلا شك يعجز الناس أن يأتوا بمثله أبدا فكيف بالقرآن العظيم وهو أكثر إعجازا فهو كلام الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يونس38 (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) البقرة24، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثل كلام الله أبدا، ولأجل أن دعاء النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah وكلماته تضمنت معاني القرآن صارت كذلك من أدلة نبوته عليه الصلاة والسلام، وصارت معجزة يعرف كل من يتأملها ويتدبرها أنها لا تصدر أبدا إلا من النبي عليه الصلاة والسلام.
قد تضمن هذا الدعاء أنواعا من الخير ومعاني الإيمان، وجدد الإيمان في القلب، ولم يبق إلا إزالة المعوقات ومحو العقبات ومباعدة الأسباب التي تحول بين القلب وبين الله وهي الذنوب والمعاصي، وذلك بطلب المغفرة وهي الستر مع الوقاية من أثر الذنب، يقال "مِغفر" لأنه يقي الوجه، و"غفر" بمعنى ستر ووقى الشر، فالمغفرة ستر الذنوب حتى لا يفضح بها العبد مع الوقاية من شرها بعدم العقوبة.
والتوبة هي الإنابة والرجوع إلى الله والعمل بطاعته والندم على معصيته، فالندم توبة كما قال النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah مع العزم على عدم العودة إلى المعصية والإقلاع عنها بالفعل وصحبة أهل الصلاح في طاعتهم بالقلب والبدن، وإن عجز بالبدن فبالقلب، فإن صحبة أهل الصلاح من علامات التوبة النصوح، ومن فقه أهل العلم والإيمان أن يأمروا التائب بذلك كما قال العالم الذي سأله الرجل الذي قتل مائة نفس (إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة، قال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها قوما يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء) فمن فقه أهل العلم والإيمان أن التائب إلى الله عز وجل لابد أن يبدل المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، وأن يصحب أهل الصلاح في طاعتهم وذلك لأن الإنسان يتأثر بقربه من المطيعين العابدين إذا عبد الله معهم، ويكون ذلك معينا له على الطاعة، قال الله عز وجل لخير خلقه سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الكهف28، فإذا كانت صحبة الصالحين الأدنى حالا احتاج إليها الإنسان الرسول سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، وهو السبب في هدايتهم وفي معرفتهم بربهم وطلبهم لوجهه، ومع ذلك أُمر أن يصبر نفسه معهم لأن صحبة الصالحين سبب لزيادة الإيمان حتى ولو كانوا أقل حالا منك، وهذا نوح عليه السلام يأبى أن يطرد المستضعفين المؤمنين ويقول (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)هود30، ولذلك فإن من الضروري لك أيها التائب أن تبحث عن أصدقاء صالحين يعبدون الله فتعبد الله معهم، اقترب منهم ولا ترجع إلى أرض السوء التي كنت فيها، وإياك أن ترجع إلى أصدقاء السوء وأصحاب السوء وأماكن السوء التي كنت تعمل فيها بمعاصي الله، فإخوانك يعينونك على الطاعة ويذكرونك إذا نسيت وينصحونك إذا أخطأت فلابد أن تكون معهم فإذا قلت حينها استغفرك وأتوب إليك كنت صادقا في ذلك و تبدلت السيئات بالحسنات.
قد لا يجد الإنسان في محلته أهل صلاح، فليهاجر وليبحث عن قرية صالحة، وإن عجز أو حبس أو منع فلم يصل فالقلب يكفي إن عجز عن ذلك بالبدن، فصحبة الصالحين بالقلب لا تحتاج إلى زمان ولا إلى مكان، لذلك تستطيع أن تصحب الأنبياء بقلبك وتستطيع أن تصحب الصالحين وذلك إذا قرأت القرآن مع التدبر لسيرتهم ومعرفة صفاتهم، وكذلك دراسة سنة النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah فتكون صحبة بالقلب، فإن الأرواح جنود مجندة يقترب بعضها من بعض ويبتعد بعضها عن بعض عبر الزمان والمكان ودون حواجز الموت والحياة كما قال عز وجل عن إبراهيم ونوح قال عز وجل عن نوح (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ) الصافات83، فمع أن بين نوح وإبراهيم مسافة - الله عز وجل أعلم بها- صار من شيعته أي من أهل طريقته ومنهجه وملته رغم تباعد الزمان، ولذلك فإن صحبة أهل الصلاح بالقلب و بالبدن ما استطعت لذلك سبيلا علامة توبة صادقة.
وفي قوله تبارك وتعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) الفرقان70، وجهان:
الأول أنهم يتركون العمل بالسيئات ويعملون بالحسنات،
والثاني أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، لأن كل سيئة تاب منها فقد محي الذنب وبقيت عبودية التوبة فصارت حسنة توضع في ميزانه، ثم الله يتكرم على من شاء فيجعل مكان كل كبيرة من الكبائر وكل صغيرة من الصغائر حسنات لمن أراد أن يغفر له تفضلا من عنده عز وجل، فاللهم اغفر لنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.
إذا استحضر العبد هذه المعاني استعد قلبه أعظم استعداد للدخول في فاتحة الكتاب بعد الاستعاذة من الشيطان الرجيم فينهل من كنوزها ويناجي ربه بها، فهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه النبي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، قال عز وجل (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحجر87، وقال عليه الصلاة والسلام لأبي سعيد بن المعلى عندما قال له (لأعلمنك أعظم سورة في كتاب الله فقال هي فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته).
و يكفي أن الفاتحة سميت القرآن العظيم لأن معاني القرآن موجودة في الفاتحة، لذلك فالفاتحة هي الكنز الأعظم ولذلك تكرارها في الصلاة في كل ركعة ضرورة من الضرورات وحاجة الإنسان إليها حاجة ماسة.
نسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم وبسنة رسوله الكريم سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1  Sala-allah، وأن يجعل قرة عيوننا في الصلاة، وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه، والشوق إلى لقاءه في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


صوت السلف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ماهو الصوت الذى تسمعة الارض خلال ال24 ساعة ؟؟؟
» حديث: {إنك ما دعوتي}
» كيف تـموت الملائكهـ... ## حديث لا يصح ##
» حديث قدسي تقشعر له الابدان
» حديث شريف يصف حال امتنا الان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نجــــــــــع الجنينــــــــــــــة :: المنتديات الأسلامية :: منتدى السنة النبوية-
انتقل الى: