خرجتْ ولم تعد !

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خرجتْ ولم تعد

أماني محمد داود
خرجت ولم تعُدْ، ولكنَّها سوف تعود، ولن أيأس من البحث عنها، سوف أعثر عليك، لسوف تعودين إلينا،
لا تقل: خرجت ولم ولن تعود، حبيبتي، أين أنت؟
منذ أن التقيت بك، وتعارفنا وافترقنا، وأنا أبحث عنك، واثقة أنَّك عائدة،
وحان الوقت أن تعودي، آن لنا أن نسعد ونطمئنَّ ونجتمع ولا نفترق.
كنت أمشي في طريقي إلى زميلتي، أقصد زيارتها بنيَّة زيارة مريض،
يشغلني أثناء سيري تجديدُ النية، والصَّلاة على الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - المعلم القُدوة.
فقطع عني خلوتي مع رَبِّي في الشَّارع فتاة، وجدتُها بين ذراعي وصوت سيارة وصيحات أناس،
حمدت الله على سلامتها من حادث سيارة،
أكيد وهي غير مُنتبهة ولا مُدركة أين هي، وماذا يحدث حولها؟ أخذت تبكي وتلملم أنفاسها، وأحاول في ضمة صدري، وتدفُّق كلماتي أن أُذْهِبَ بعض فزعها وآلامها البدنية والنفسية،
وهي تبكي، تتكلم، تصمت، تبكي، وبمجرد أن أجلستها، قالت:
سوف أحكي لك، لا بُدَّ أن أتكلم لأحد، لا بُدَّ أن أسمع صوتًا آخر غير صوت نفسي.
إنَّني الآن في طريقي لتقديم أوراقي الشخصية إلى شركة أعلنت عن طلب مُوظفات مميزات،
الوظيفة فرصة قد لا تتكرر، وكل الشروط المطلوبة مُتوفرة عندي، ما عدا شرطًا واحدًا، منذ أن قرأت الإعلان، وأنا لا أنام، وأنا في حَيْرَة وقلق.
أخذني الفُضُول أنْ أعرفَ الأسباب والتفاصيل أكثر، ولم تسمح لي حتَّى بالتفكير في أنْ أطلبَ منها أن تقصّ عليَّ قصتها؛ بل أمسكت بيدي، ولم تستأذنِّي، واقتحمت وقتي بعد قلبي ومشاعري،
أخرجت الجريدة التي بها إعلان الوظيفة، تقرؤه عليَّ نصًّا - تؤكِّد لي صدقها -
شركة استثمارية كُبرى تطلب مُوظفات برواتب مجزية، مكافآت، بدل انتقال، سكن، هناك فرص للسَّفر إلى الخارج،
الشُّروط: مؤهل عالٍ، لغة، كمبيوتر، محجبة، السن لا يزيد عن 35 سنة، تتم المقابلة وتقديم الأوراق في خلال أسبوعين من تاريخ الإعلان، العنوان... الهاتف...
وما زالت الجريدة في يَدي، ودقَّ جرس باب بيتنا، إنَّه ابن عمي يهلِّلُ فرحًا، وهو ممسك بنفس الجريدة في يده، وصاح في وجهي:
احضري كلَّ أوراقك؛ لتذهبي غدًا أنت وأختي لهذه الشركة،
قلت: أختك نعم، أمَّا أنا، كيف وهناك شرط أفتقده؟ إنَّني غير محجبة، سخر منِّي، ونطق مسرعًا: سهلة ولها حل، ضعي على رأسك غطاء، وبعد ساعات العمل أنت حرة،
لا تدعي الفُرصة تفوتك، يا ليتني كنت بنتًا، لوضعتُ غطاءَ رأسٍ، وذهبتُ من الآن؛ لأكون أول مَن يُفتح له البابُ غدًا.
وارتفعت التعليقات من كل الأعمار مؤيِّدةً لرأيِهِ، واشتدَّ الجدال حتَّى غيَّبني عنهم، فأصبحت بينهم، ولست معهم، صُمَّت أذني، وغشيت عيناي،
ذكريات الماضي، سنوات الدراسة، تصرفات البنات، صديقاتي وأقاربي،
هذه تخلع حجابها وترتدي القصير الشَّفاف، تخرج مع هذا الفتى، ثم تعود في زيِّها الذي خرجت فيه، وكأنَّ شيئًا لم يكن،
بنتٌ أخرى تضيق بالحجابِ، وتدعو على والدها الذي أمرها أن تضعَه، فما زالت تسرق ماله، وتكذب، وتتعمد الخطأ؛ انتقامًا منه؛ لتؤذيه بسلوكها، فتضر نفسها،
وصديقة ثالثة تتمنَّى الحجاب وأمُّها ترفضه وتؤجله،
تلاطمت عليَّ الأفكار والذكريات، واكتشفت أني في غُرفتي، وأغلق بابَها متسائلة:
هل سوف تضعي غطاءَ رأسٍ أو لا؟
تتحجَّبين اليومَ لمن، وكيف، ولماذا؟
أين عقلي، وحريتي؟ أين الصِّدق فيما إذا فعلت ذلك؟
عندها مَن أكون، مُحجَّبة، أم غير محجبة، أم نصف محجبة؟

أقبل الفجر مع إدبار الليلِ من تلاحُم التساؤلات، ووهن الأجوبة، ودفع بي الفضول أن أضع (إيشارب) على ثيابي: البنطلون والبلوزة (تي شيرت)؛
لأكتشفَ حقيقة هذا الإعلان، وُجِدتُ وسطَ أمواج من المحجبات، منها الهادئ، ومنها الهائج، كأنِّي أبصر لأول مرة ماذا ترتدي البنات من حولي؟
وفي أقل من ساعة أدركت أنَّني مُعرَّضة للغرق، وهناك مَن تَملك قارب نجاة،
هذه خرجت لتستلم استمارة، وتدخل الحجرة المجاورة، أمَّا هذه فتخرجُ تجاه باب الدُّخول مُباشرة دون تعليق، وأعتقد دون رجعة،
والسبب في التميُّز بينهما هو شكل وكيفيَّة الحجاب،
ودون تفكير أسرعت لأخرجَ وأمنع نفسي من مُقابلة هذا الرَّجل،
من هو؟ لماذا يتحكَّم فينا لهذه الدَّرجة؟! لماذا لم أتحجَّبْ إلى اليوم؟!
من أنا؟! أنا التي أضع غطاءَ رأسي عندما أُصلِّي، ولم ولن أجرُؤ يومًا أن أصلي دونه، وعندما أخذنا والدي لأداء العُمرة، كنت محجبة، من أنا؟!
أخرجت بطاقتي كأني أتأكد أنَّني مُسلمة، وصلت بي الأسئلة إلى بيتي؛ بل تحديدًا إلى غُرفتي،
وتأكَّدتُ من إغلاقها، وأخذت أبحث عن كُلِّ كتاب، كتيِّب، ورقة مطوية، تتحدث عن الحجاب،
كأني أقرأ عنه لأول مرة؛ قال الله - تعالى -:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
[الأحزاب: 36]،
وقال الله - تعالى -:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
[الأحزاب: 59]
، وأيضًا في[سورة الأحزاب: 53] ، وفي [سورة النور: 31].

التبرج دعوة إبليس
إبليس أوَّل من دَعا للتبرُّج،
فوَظيفته هَتْكُ الأسرار، وكشف العورات، وإشاعة الفَواحش،
أصبحنا لا نُفرِّق بين فاطمة و(راشيل)،
لا تكوني مثل قطعة الحلوى الموجودة مع البائع المتجول، لا قيمة لها؛ لأنَّها لا يأتي عليها إلاَّ الذباب؛
إنَّ الفتاة مثل التَّاجر المتجول يعرض سلعته مُزينًا لها بالألوان؛ ليُغري الناس، ويُثير شهيتهم، فتروج بضاعته، ويكثر المشترون، ويتهافت الطلاب والجياع النهمون.
التبرج دليل على جهل المرأة

ما أحكمَ المثلَ الذي يقول:
"الرأس الفارغ يحتاج إلى الزينة، أمَّا الرأس المملوء بالعلم، فإنَّه لا يحتاج إلى زينة"!
لذلك ترى العلماءَ يتبسَّطون في اللباس، كلَّما اهتم الإنسان باللبس، احتقر المظاهر الخارجيَّة،
كأنِّي أضع عيني على الرَّد على تساؤلاتي، لا بُدَّ لشعري من التهوية والتغذية، وأن يَشُمَّ نسيم الرَّبيع، وينعم بأشعة الشَّمس الطبيعية.
الحجاب يضيع عليَّ فرص العمل والعرسان أيضًا.
ثيابي من الحجاب تعطي انطباعًا عني أني من زمان قديم، وتعطيني سنًّا أكبر من سني.
الحجاب الحقيقي حجاب القلب، المهم النيَّة، كم امرأةٍ محجبة ولها سلوكٌ شائن!
وكم غيرِ محجبة وذات قلب سليم وخلق حسن!
فوجدتُ رأيَ الطبِّ في الحجاب بريئًا من تساقُط الشعر؛ بل على العكس، فالحجاب يَحفظُ الشعر من عوامل اليُبوسَة، ويَحميه من الإفراط في التعرُّض للشمس،
والضوء يفقد الشعر لونه، ويجعله باهتًا ومصفرًّا؛ بل وجافًّا ومتقصِّفًا؛ لذلك يَجب الوِقَاية من الشمس والضَّوء بالحجاب لمدة محددة.
الحجاب وقاية من سَرطان الجلد، والنِّساء أكثر عُرضة للإصابة بمرض سَرطان الجلد من الرِّجال.
ولقد حفظت هذه السُّطور وأبكتني
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}
الحيوانات ليس لها ثياب تستر، ولكن كل الناس والفئات والوظائف يُميزها لبس،
القسُّ له ثياب، هذا هندوسي، وهذا إمام جامع، هذه ثياب عقيدة،
أمَّا الوظيفة، فهناك طبيب له ثياب خاصة تختلف عن المحامي أو الشرطي وأنت...

رسوم دخول
لدخول حديقة الحيوان؛ رغبة في النَّظر والتمتُّع بالحيوانات ندفع رسومًا مالية،
النظر إلى القرد أو حيوان وحشي يلزمه رسومُ دخولٍ له، ثمن لا بدَّ أن يدفع قبل النظر إليه، وأنت حبيبتي يكون النظر إليك، والتمتع برُؤية جسدك وأعضائك بلا رسوم.
ما حكم لبس الثَّوب القصير بالنسبة للمرأة، هل هو حرام أو حلال؟
إنَّ القطة تعرف الحلال من الحرام، فإنَّك إذا أعطيتها قطعةَ لحم، أكلتها وهي مُطمئنة،
بينما إذا خطفتها، فإنَّها تجري؛ لأنها تعرف أنها أخذتها بغير حقٍّ، تعرف بالفطرة،
فإذا كان هذا هو شأنَ القطة، فما بالك بالإنسان، بكِ أنتِ أختاه؟!
سهرت ليلي على شبكة الإنترنت؛ بحثًا عمَّا قيل عن الحجاب:
- تُعلِّق (هيللين ستاتسيري) - صحفية أمريكيَّة مسيحية - على إحصائيَّات الاغتصاب، وحالات الإجهاض والطلاق في أمريكا، وإيطاليا، وبريطانيا.
"إنَّ المجتمع العربي كامل وسليم، ومِنَ الخليقِ بهذا المجتمع أنْ يتمسَّك بتقاليده،
فعندكم ما يخالف الإباحيَّة الغربيَّة التي تُهدد المجتمع، وأنا أنصحكم بالحجاب، فهذا خيرٌ لكم من الإباحيَّة والانطلاق والمجون".
فما هو تعليقكِ أنتِ المسلمة العربيَّة؟!
الحجاب حول العالم
من أمريكا:
قراري باعتناق الإسلام جاء بسبب ما رأيته من مَظاهر الحشمة والحياء بين المسلمات.
من النرويج أسماء:
الحجاب يكرم المرأة، ويحفظها، ويجعلها إنسانًا لا سلعة، لها كيان، وليست لعبة بيد الرجل يلهو بها.
في بريطانيا:
اللهم عليك بمن أرادوا نزع حجابي.
- مروة قاوقجي النائبة المحجبة في البرلمان التركي: لا قوة على الأرض تستطيع أن تجبُرني على خلع حجابي.
قطعتُ سردَها المتواصل، واستأذنتها لأحضر لها مشروبًا، وقد جفَّ لسانها، وتشقَّقت شفتاها،
ويا ليتني لم أستوقفها، وتركتها للحظات، عدتُ فلم أجدها، الْتفتُّ أبْحث عنها وأسأل،
لم أعثر عليها، أين أنت؟ أين ذهبتِ حبيبتي؟
لن أيأس من البحث عنكِ، سوف أعثر عليك في زيِّك الشرعي حجابك،
لا تقل: إنها خلعت الحجاب، وتخلَّت عن الحياء، وأخذت تردد: لا للحجاب،
إنَّه لا يتَّفق مع المدنية الحديثة، إنَّه خاص لنساء النبي - صلى الله عليه وسلَّم - فقط،
لا، لا أصدق أنَّ أختي الحبيبة ذات اللُّبِّ الواعي والذَّكاء الحادّ تنساق وراء مثل هذه الأكاذيب،
وتعتنق صيحات المضللين أعداء الدين، فتضل؛ لأنَّهم يخرجونها من النور إلى الظلمات.
قرةَ العين، هل تسمحين لسارقٍ أن يسرق حقيبتك؟!
إذا علمت أنَّ هؤلاء الرِّجال لصوص، أتتركين حقيبتك مفتوحة؟!
وإذا سُرقتِ، صَرَخْتِ: أغيثوني،
هل يعقل لهذا الجمال الرَّبَّاني، وهذا الخلق القويم أن يَمرَّ في طرق الذِّئاب؟!
أنتِ أختاه مفتاح الصَّلاح والإصلاح، فإذا شئت، أصلحت نفسك، وصلح بصلاحِك الأمة بأسرها،
أثق أنَّ فتاتي - فتاة الإسلام التَّائهة - تقفُ بين يدي ربِّها بقلب خاشع.
فلماذا نَجد مَن تُصلي وترفُض الحجاب؟
ونجد مَن يصوم، ويرفض لبناتِه الحجاب؟
الحجاب فريضة والتبرُّج دليل على جهل المرأة، وكلما ازدادت جهلاً، أفرطت في تزيُّنها، وفرَّطت في الحياء، وتمثَّلَت بنساء الجاهليَّة.
هل سبَّب غيابك عنَّا المرض؟
هل أصابك الهوس هوس الموضة؟
إنَّها تجارةٌ، تُتاجر بجسدك بيوت الأزياء، تبيع وتشتري فيك،
تتاجر بعقلِك وجسدِك، والرِّبح كله لها، والخسارة كلها لك وعليك،
فهل ترضَيْنَ هذه المشاركة غير العادلة؟!
في الماضي عندما ارتفعت الصيحات:
لا للحجاب ورفع البرقع، هرعت النِّساء للتبرُّج والسفور والاختلاط، فهذا حجاب العادات والتقاليد،
واليوم مُسلمات فرنسا، وكثير من بُلدان الغرب تجاهد، وتتصدر لكل القُوى، ولا تخلع عنها حجابها،
وإن جرَّمها وحرمها الدِّراسة أو العمل؛ لأنه حجاب العبادة، فهل أنت من نساء الماضي أو الحاضر؟

من أنت؟ وأين أنت؟ وماذا تريدين؟

الله يفعل ما يريد
شكرا