ياكمسرى ....... ياكمسرى

ياكمسرى ياكمسرى ... الأتوبيس ده طالع على شبرا ؟!

أيوه ياست ... خشى جوه

تذاكر ياحضرات

العربية فاضية من جوه ياجدعان مالهاش لزمة الوقوف عالسلالم

تووووووووووووووووووووووت ... إطلع ياسطى

حوار وصافرة تتكرر كل يوم من حياة (أبو حزين) أو (عم مغاورى) الكمسرى البسيط فى هيئة النقل العام

تتكون أسرة عم مغاورى الكمسرى من زوجته إنشراح (أم حزين) الفلاحة الطيبة التى قدمت من الريف مع زوجها إلى القاهرة منذ ما يقارب العشرين سنة أنجبا خلالها خمسة من الذكور أكبرهم حزين وثلاثة بنات ... على الرغم من ضيق ذات اليد والفقر المدقع الذى كانت تحياه الأسرة نظراً لضعف ما يتقاضاه أبو حزين من هيئة النقل العام إلا أن الرجل كان راضياً بحاله على عكس إبنه الأكبر ... عرف الجميع عن أبو حزين حبه لعمله وتفانيه فيه ... عمل مع العشرات من سائقى الهيئة إلا أنه لم يكن يوماً مجاملاً لسائق على آخر ... كانت صافرته ميثاق فوق الجميع وقانون يحترمه الكبير قبل الصغير ... فى ذات يوم سمعت أم حزين طرقاً شديداً على باب البيت المتواضع بحى السبتية الشعبى

أم حزين: صبرك ياللى بتخبط ... خير يارب ... اللهم اجعله خير !!!

تفاجأ أم حزين (بالأسطى جابر) السائق بهيئة النقل العام والصديق الحميم لزوجها وعيناه تملأها الدموع على باب البيت

أم حزين: خير ياسطى جابر !!!

جابر: شدى حيلك ياصابرة ... أبو حزين داخ ووقع فى الأتوبيس النهارده الصبح ... نقلناه عالمستشفى ... لكن ... لكن

أم حزين: لكن إإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإيه

جابر: البقية فى حياتك

بعد أن هدأت حدة الحزن على الفراق:

إنشراح مخاطبة ً إبنها حزين: تعيش وتفتكر ياولدى ... دلوقتى عايزين نشوف حنعمل إيه فى المعايش

حزين: إشتغلى يمه ... أهو القرشين اللى حييجوا من شغلك على معاش المرحوم أحسن من عدمه !!!!!

أم حزين: إخص على البطن اللى شالتك ... ده بدل ما تقول إرتاحى يمه وأنا حنزل أدور على شغل من بكره !

حزين: لألألألألأ .... إنسى ... شيلينى من دماغك فى المسائل دى خالص ... أنا لازم أكمل دراستى وأخد الليسانس ... أنا ما اتخلقتش عشان أعيش فى السبتية يمه ... أنا أحلامى أكبر من كده بكتير

أم حزين: آآآآه ياناقص ... كان أمل أبوك الله يرحمه إنك تطلع كمسرى وتشيل الصفارة من بعده !!!

حزين: صفارة إيه وهباب إيه !!!!!!! ... يعنى حشيل تاج الجزيرة

أم حزين: يابنى أنا قصدى تشتغل كمسرى وتكمل دراستك فى نفس الوقت ... وبعد ما تاخد شهادتك الكبيرة حتترقى وممكن تبقى مفتش فى الهيئة

حزين: هيئة الأمم المتحدة

أم حزين: الهيئة دى خرجت رجالة وفتحت بيوت ... اللى أسطى ميكانيكى واللى سواق واللى كمسرى

حزين: بقول إيه يمه عشان نقصر بس ... إنتى عندك ماكنة خياطة وحبايبك فى الحتة كتير وعارفين ظروفنا ... إبتدى من بكرة عشان خاطرى أنا واخواتى إعملى زيارات للناس وعرفيهم إنك ليكى شوق تخيطى

أم حزين: عايزنى أشتغل خياطة ياحزين ؟!!!

حزين: يمه الحياكة عمرها ما كانت عيب ولا حرام !!!

أم حزين: اللى رايده ربنا هوه اللى حيكون ياولدى ... ودلوقتى خد الظرف ده شوف فيه إيه ... وصل إمبارح فى البوسطة

حزين: ظرف إيه ده ؟!

أم حزين: إنته يعنى شايفنى بعرف أقرا ولا أكتب !!!

حزين: آه طيب ... ده جواب من هيئة النقل العام ... عاملين لأبويا حفلة تأبين وعايزينا نحضرها

أم حزين وقد إمتزجت لديها مشاعر الفخر بزوجها الراحل والحزن على فراقه: شفت بعينك!!! ... أبوك يابنى كان حاجة كبيرة ... حاجة كبيرة قوى ... الله يرحمك يامغاورى

حزين: خلاص يمه أنا حروح ... الميعاد لسه بعد يومين .... إففففففف

أم حزين: كلنا حنروح ياولدى ... إحنا فى ديك الساعة لما نحضر حفلة تكريم أبوك بعد موته

حزين: تروحوا فين !!!!! ... هيا ناقصة فضايح ... أنا حروح لوحدى وده أخر كلام عندى ... أنا دلوقتى فى مقام المرحوم وكلامى محدش يعدل عليه

فى حفلة التأبين:

تكتظ القاعة بزملاء مغاورى وتلاميذه ورؤسائه ومريديه ... أتى الجميع ليحضروا حفل التأبين ... إحتفى الجميع بمقدم حزين وأجلسوه فى الصف الأول بين كبار المفتشين تكريما وتقديراً لوالده

وقف كبير مفتشى هيئة النقل العام (الغمراوى باغوص) ليلقى كلمة الهيئة نائباً عن رئيسها:

باغوص: أنا مش حقرا ياحضرات من ورق ... أنا حقول كلام من قلبى ... أنا إشتغلت مع المرحوم مغاورى أكتر من عشرين سنة ... مشفتش منه غير الجدعنة والإنسانية والشهامة ... وغير كده ... فى الشغل مكنش يعرف أبوه ... الزبون اللى مكنش يدفع تذاكر كان يرزعه الأول روصية وبعدين يدلقه من الأوتوبيس لحد ما بقت راسه الله يرحمه مدورة من ورا ومفلطحة من قدام ... اللى كان يقول له (أبونيه) أو (نص تذكرة) كان يطلب منه يطلع الأبونيه أو الكارنيه حتى لو كان الأوتوبيس أزحم من علبة السردين وكان اللى يطلع بينصب كان مغاورى الله يرحمه يقول له أمك وأبوك واللى جابوك ..........

يقطع كلام باغوص عاصفة مدوية من التصفيق ويكفكف زملاء الفقيد دموعهم حزناً على فراقه

يواصل باغوص كلمته: مش بس كده ياحضرات ... الراجل ده مات جوه الأتوبيس ... مات وهوه واقف على رجليه بيشوف شغله ... كان آخر كلامه فى الدنيا (خشى جوه ... خشى جوه) ... وبعدها صفر ومات

للمرة الثانية تقطع كلمات باغوص عاصفة مدوية من التصفيق ويقف الحضور تكريماً وإكباراً لفقيد الهيئة ... كان حزين مستاءاً من كلمات المفتش ويود أن يترك القاعة إلا أنه فكر سريعاً وقرر أن ينتظر حتى يرى إن كان هناك أى مكافأة مالية ستقدمها الهيئة لهم بعد أن ينتهى هذا الباغوص من كلمته

إلى اللقاء