خصوصية نساء النبي صلي الله عليه وسلم
| قال تعالى بسورة الأحزاب : ” يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} “
كلمة : ” النساء ” نفهم أنها جمع و مفردها ” امرأة ” لأن هناك جموعا نسي مفردها لشهرة مفرد آخر أرق منه فمفرد ” نساء ” هو ” امرأة ”
بعض المتفلسفين في اللغة قالوا : كلمة نساء هل هى مشتقة من النسأ و التأخير ؟
فإن كانت من النسأ و التأخير لعل مفردها : نسئ من التأخير لأن خلقها متأخر عن خلق الرجل و هذا يجوز و إن كنا لا نتكلفه .
بعد أن أختار نساء النبي صلي الله عليه وسلم الله و رسوله و الدار الآخرة أراد الحق سبحانه و تعالى أن يعطيهم المنهج و هذا التخيير هو لون من حب المفارقة الذى يعطى للمرأة مثلما يقولون : ” العصمة فى يدها ” و لكن هل التخيير يقع الطلاق ؟ قالوا : إن خيرت و قبلت فهذا طلاق و إن لم تخير و رفضت لا يحدث طلاق و تنتهى المسألة .
إذن .. بعد أن خيرهن و قبلن أراد الحق سبحانه و تعالى أن يوضح لهن المبادئ التى سيعشن عليها
فقال سبحانه و تعالى بسورة الحزاب : ” يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً {30} “
انتقل الخطاب هنا من كلام النبي صلي الله عليه وسلم عن ربه إلى كلام الله لهم مباشرة لأنهن اخترن الله و رسوله فارتفعن إلى مستوى أن يخاطبهن الله تعالى لأنهن أهل لذلك .
هنا القرآن الكريم قدم الحديث عن الفاحشة لأن فى عادة التقنين و الإصلاح أن ” درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة “
فمثلا قبل أن نتوضأ للتطهير نبرئ أنفسنا من النجاسة و لو أن هناك اثنين أحدهما رمانى بحجر و الآخر ألقى إلى تفاحة فى وقت واحد فهل آخذ التفاحة أم أرد الحجر ؟ بالطبع أتقى الحجر لأن درء المفسدة كما قلنا مقدم على جلب المصلحة .
فكان لابد أن يأتى المنهج أولا بالكلام عما يلوث و يدنس حتى نترفع عنه فمثلا الثوب المتسخ هل ينفع أن كويه قبل أن تغسله ؟ لا بل لابد أن تغسله و تنظفه أولا ثم تكويه بعد ذلك .
فكأن الله تعالى يقول : يا نساء النبي إياكن أن يدور بخلدكن أنكن مجرد زوجات للرسول صلي الله عليه وسلم و أنكن أخذتن هذه المنزلة و انتهى الأمر لا .
بل لابد أن تتقين الله و تكن قدوة لغيركن و كون الله تعالى يحذر نساء النبي من الفاحشة فهذا ليس انتقاصا من قدرهن لأن الله تعالى قال لرسوله صلي الله عليه وسلم و هو المعصوم :
قال تعالى بسورة المزمر : ” لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {65} “
إذن ..فهذا ليس انتقاصا من قدرة صلي الله عليه وسلم و ليس انتقاصا من قدر زوجاته الطاهرات و إلا فهناك رسل خانتهم نساؤهم و كفرن بالله .
قال تعالى بسورة التحريم : ” ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ {10} “
و مضاعفة العذاب لأنهن قدوة لأنها فعلتها و هى فساد فى ذاتها و فساد لأنها أصبحت قدوة فى بيت نبي .
كذلك إن فعلت حسنة تأخذ أجرها مرتين لماذا ؟ لأنها فعلت صالحا فى ذاتها مثل غيرها و لأنها صارت أسوة حسنة لغيرها .
قال تعالى بسورة الأحزاب : ” يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء {32} “
كلمة : “أحد” استعملت فى اللغة بما يأتى : فى العدد تقول : أحد عشرة إذا كان المعدود مذكرا و إذا كان مؤنثا تقول : إحدى عشرة
لكن فى النفى لا تستخدم إلا بصيغة واحدة فتقول : ما عندى أحد و لذلك جاء
قوله تعالى بسورة الإخلاص : ” وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ {4} “
و فى اللغة هناك شئ اسمه جنس فالإنسان جنس و هذا الجنس أنواع كالذكر و الأنثى فالذكر نوع و الأنثى نوع و لم يصيرا نوعين إلا لإختلاف نشأ عنهما بعد اتفاق كان فى الجنس فهما جنس لهما حد مشترك : حى ، ناطق ، مفكر ، لكن هما نوعان و كل واحد منهما له خصوصياته فلا تخلط النوعين مع بعضهما فمعلوم أن الزمن ظرف للأحداث و لكن أى أحداث ؟ إن كانت أحداث حركة فهى خاصة بالنهار و إن كانت أحداث سكون أو نوم فهى خاصة باليل .
إذن …الليل و النهار نوعان و جنسهما زمن و كل زمن له خصوصية فلا تخلط هذا على ذاك
و اقرأ قول الحق سبحانه و تعالى بسورة الليل : ” وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى {1} وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى {2} وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {3} إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى {4} “
فالليل و النهار متناقضان ولكنهما متكاملان متقابلان هذا له مهمة و هذا له مهمة مثل الإنسان تماما ذكر و أنثى و كل منهما يكمل الآخر و كلاهما له مهمة تتناسب مع طبيعته و تكوينه فإن حاولت أن تحول النهار إلى ليل أو الليل إلى نهار و تعمل الرجل امرأة و المرأة رجلا فقد خالفت طبيعة الشئ التى خلقه الله لها و أفسدت مهمته .
إذن .. نحن عندنا جنس و عندنا نوع و النوع ينقسم إلى أفراد فهو غير متساو لأنه لو كان متساويا مكررا لا فائدة لكنه يختلف فى الأفراد و كل فرد له ميزة فليس هناك فرد مثل الآخر بل هذا له ميزة و ذاك له ميزة أخرى تختلف عن الأول …لماذا ؟ حتى يرتبط الناس بعضهم ببعض ارتباط حاجة لا ارتباط تفضل فالذى ينكس مميز عنك لأنه يقوم بعمل تستنكف أنت أن تؤديه مع أنه عمل ضرورى .
فله عمل لا تستطيعه أنت مع أنك تبذل جهدك فى تحصيل العلم و البحث و الدراسة و حين يحتاج هذا العامل إلى فتوى منك يأتيك و تجيبه دون أن تأخذ منه أجرا مع أنك لو طلبت منه أن ينكس لك البيت لابد أن تعطيه أجرا أذن ….فكل واحد له مهمة و لا يوجد واحد مثل الآخر كما أن كل واحد له جنس و له نوع و له فردية شخصية .
فهنا القرآن يخاطب نساء النبي صلي الله عليه وسلم مبينا أنهن نساء ، أى نوع من الإنسان و لكن لهن خصوصية إنهن نساء النبي صلي الله عليه وسلم فغيرهن لسن مثلهن
قال تعالى بسورة الأحزاب : ” يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء {32} “
لأنهن أسوة و لذلك ضاعف لهن ثواب الطاعات كما ضاعف عقاب المعصية .
قال تعالى بسورة الأحزاب : ” فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{32}
أى : إن اضطررتن أن تكلموا رجالا فتكلموا بصوت لا ليونة فيه و لا تكسر و لا ميوعة و لا معه نظرات أو اقتراب لأنكن عرضة للكلام مع بعض ضعاف الإيمان أو من فى قلوبهم مرض فلا تعطوا لهم هذه الفرصة و هذا ليس معنه أن تتكلمن مع الناس بغلظة أو خشونة و لكن المطلوب منكن
كما قال تعالى بسورة الأحزاب : ” وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} “
و لذلك حين تتكلم فلا تأخذ إلا بأذنك و إياك أن تمد عينك لها أو تمد هى عينها لك حتى لا يحدث فى النفس شئ و يطمع من فى قلبه مرض .
إذن … الحق سبحانه و تعالى يريد أن تبتعد المرأة عن أى فعل يجرئ عليها من في قلبه مرض
المصدر
كتاب نساء النبي صلي الله عليه وسلم لفضيلة الشيخ الإمام محمد متولى الشعراوى